الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
910 - وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ، فكان يقول : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله " .

رواه مسلم ولم أجد في " الصحيحين " ، ولا في الجمع بين الصحيحين : " سلام عليكم " وسلام علينا " بغير ألف ولام ، ولكن رواه صاحب " الجامع " عن الترمذي .

التالي السابق


910 - ( وعن عبد الله بن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد ) : سمي باسم جزئه الأشرف كما هو القاعدة عند البلغاء في تسمية الكل باسم البعض ( أي يعلم السورة من القرآن ) : فيه دلالة على اهتمامه ، وإشارة إلى وجوبه ( فكان يقول : " التحيات المباركات " ) ، أي : الناميات ( " الصلوات الطيبات لله " ) : قال علماؤنا : ومن جملة ما يرجح تشهد ابن مسعود أن واو العطف تقتضي المغايرة ، فتكون كل جملة ثناء مستقلا ، بخلاف ما إذا سقطت فإن ما عدا اللفظ الأول يكون صفة له ، فيكون جملة واحدة في الثناء ، والأول أبلغ ، وحذف واو العاطف ، ولو كان جائزا ، لكن التقدير خلاف الظاهر ; لأن المعنى صحيح بدون تقديرها ، قال الطيبي : واختار الشافعي رواية ابن عباس ، وإن كانت رواية ابن مسعود أشد صحة لأنه أفقه ، قلت : لعله عند الشافعية وإلا فعند إمامنا هو أفقه الصحابة بعد الخلفاء الأربعة ، وهو أظهر لكبر سنه في حياته عليه الصلاة والسلام ، وكثرة ملازمته ومواظبة خدمته من محافظة النعل والمخدة والمطهرة والسجادة ، قال : ولاشتمال ما رواه على زيادة ، قلت : زيادة الثقة مقبولة ، لكن لا توجب الترجيح ، قال : ولأنه الموافق لقوله تعالى : تحية من عند الله مباركة طيبة قلت : الموافقة إنما هي لفظية وإلا فهي واردة في السلام عند الدخول في البيوت قال : ولأن في لفظه ما يدل على زيادة ضبطه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله : كان يعلمنا السورة من القرآن ، وفيه أن التعليم كان مشتركا بينه وبين غيره ، ونقله هذا غير دال على زيادة ضبطه ، بل يرد عليكم ما صح في تشهد ابن مسعود : علمني النبي صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن ، التحيات لله إلخ ، ولا ينافيه ما ورد عن جابر أنه كان يعلمنا كما يعلم السورة ، فإن رواية ابن مسعود أصح ، ولهذا اختاره أبو حنيفة ، وأحمد ، وجمهور الفقهاء ، والمحدثين ، واختار مالك والشافعي في القديم تشهد عمر الذي علمه الناس على المنبر : التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات ، الصلوات لله ، السلام عليك إلخ ، ويجاب بأنا لا ننازع في أصل الثبوت عنه صلى الله عليه وسلم ، بل فيما كان يعتني به أكثر ، أو فيما وصل إلينا برواية أصح ، وهو تشهد ابن مسعود ، والظاهر أن الخلاف في الأفضل ، والجواز بالكل كخلاف الروايات القرآنية ، وذكر الطيبي أن الشافعي قال : ويحتمل أن الاختلاف في التشهدات إنما نشأ عن أن بعضهم عبر بالمعنى دون اللفظ ، وأقرهم - عليه السلام ; لأن المقصود الذكر اهـ .

وتعقبه ابن حجر ، بما هو عجيب وقال : هو غريب ، بل المقصود هنا اللفظ لأنه لا يجوز إبدال كلمة من التشهد الواجب برديفها ، فكيف بغيره ؟ ( " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " ) : قال الطيبي : يجوز فيه وفيما بعده أعني ( " السلام عليك وعلى عباد الله الصالحين " ) : حذف اللام وإثباته والإثبات أفضل وهو الموجود في رواية الصحيحين قلت : بل في الصحاح الست على ما تقدم ، وسيأتي ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله " ) : انفرد ابن عباس بهذا اللفظ ، إذ في سائر التشهدات الواردة عن عمر ، وابن مسعود ، وجابر ، وأبي موسى ، وعبد الله بن الزبير كلها بلفظ : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، والمنقول أن تشهده عليه السلام كتشهدنا ، وأما قول الرافعي : والمنقول أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده : وأشهد أني رسول الله ، فمردود بأنه لا أصل له ، قال الغزالي في [ ص: 734 ] الإحياء : وقيل قولك السلام عليك أحضر شخصه الكريم في قلبك وليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه ، وأما قول ابن مسعود : كنا نقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم : السلام عليك أيها النبي فلما قبض عليه السلام قلنا : السلام على النبي ، فهو رواية أبي عوانة ، ورواية البخاري الأصح منها بينت أن ذلك ليس من قول ابن مسعود ، بل من فهم الراوي عنه ، ولفظها : فلما قبض قلنا : سلام يعني على النبي ، فقوله قلنا : سلام يحتمل أنه أراد به استمررنا به على ما كنا عليه في حياته ، ويحتمل أنه أراد عرضنا عن الخطاب ، وإذا احتمل اللفظ لم يبق فيه دلالة ، كذا ذكره ابن حجر ، ( رواه مسلم ) : قال ميرك : ورواه الأربعة ، وأحمد ، وابن حبان ، ( ولم أجد في الصحيحين ولا في الجمع ) ، أي : للحميدي ( بين الصحيحين ) : وكأنه لم يقل بينهما لأنه علم ، والعلم لا يتغير ( سلام عليك وسلام علينا ) بغير ألف ولام ، ولكن رواه ) ، أي : ابن الأثير ( صاحب الجامع ) ، أي : للأصول الست ( عن الترمذي ) : قال ابن حجر وذكره بعض أئمتنا عن مسلم ، فالظاهر أنه في بعض نسخه اهـ ، وكأنه لم يصح عند أئمة الحديث قال : ورواه أيضا الشافعي وأحمد اهـ ، فالحاصل أنه مخالف لما في الصحاح ، ثم أصل سلام عليك سلمت سلاما عليك ، ثم حذف الفعل ، وأقيم المصدر مقامه ، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء ، فإنه الثبوت والدوام ، ثم زيدت أل للعهد الذهني ، أي : السلام الذي وجه للأنبياء عليك أيها النبي ، والسلام الذي وجه لصالحي الأمم علينا وعلى إخواننا ، قال ميرك : وكذا أنكر النسائي أيضا وفي رواية ابن ماجه ، والنسائي : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .




الخدمات العلمية