الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
1023 - عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، nindex.php?page=hadith&LINKID=10357893أن nindex.php?page=treesubj&link=1900النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد ( بالنجم ) وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ؛ رواه البخاري .
أي : سجدة التلاوة وهي سجدة مفردة منوية مخفوفة بين تكبيرتين ، مشروط فيها ما شرط للصلاة من غير رفع يد وقيام وتشهد وتسليم ، وتجب على القارئ والسامع ، ولو لم يكن مستمعا عند أبي حنيفة وأصحابه ، وقال غيره : سنة على nindex.php?page=treesubj&link=1888_1887القارئ والمستمع ، واختلفوا فيمن لم يكن مستمعا للقراءة بل حصل له سماع ، على قولين هما وجهان لأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، أصحهما في الروضة الاستحباب أيضا ، وقال النووي في شرح مسلم : قال القاضي : واختلف العلماء في العالم والمتعلم إذا قرأ السجدة ، فقيل : عليهما في أول مرة ، وقيل : لا سجدة لهما اهـ ، وعندنا تتداخل السجدات إذا كانت القراءة في مجلس واحد ، سواء سجد أولا أو آخرا .
الفصل الأول
1023 - ( عن ابن عباس قال : سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنجم ) : قال ابن الملك : المراد سورة النجم ، قلت : المراد آية السجدة منها ، وفيه دليل على وجوب سجدات المفصل خلافا لمالك ، ( وسجد معه المسلمون ، والمشركون ، والجن ، والإنس ) : تعميم بعد تخصيص ، قال ميرك : هذه اللامات في هذه الأربعة للعهد ، أي : الذين كانوا عنده ، وهذا كان بمكة في المسجد الحرام ، قال ابن حجر : وسبب تقديم الجن لما في سجودهم من الغرابة ، وسبب سجود المشركين أنه - عليه السلام - لما وصل فيها إلى قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أفرأيتم اللات والعزى الآيات الثلاث قرأ الشيطان محاكيا لصوته في أثناء قراءته : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى وأدخل ذلك في جملة قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فظن المشركون أنه قد أثنى على آلهتهم ففرحوا ، فلما سجد سجدوا ، وفي ذلك نزل : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ، أي : قرأ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52ألقى الشيطان في أمنيته ، أي : قراءته ، وهذا هو الصحيح ; لأن ما ذكره بعض المفسرين من أنه - عليه السلام - جرى على لسانه في أثناء قراءته على سبيل السهو ، فإن ذلك غير صحيح ، وحاشا مقامه عن ذلك ، كذا نقله عن التصحيح ، والغرانيق : بغين معجمة مفتوحة ، طيور الماء شبهت الأصنام المعتقدون فيها أنها تشفع لهم بالطيور ، وتعلو في السماء وترتفع ، وقال ابن الملك في شرح المصابيح : وقيل : أنه شق على النبي - صلى الله عليه وسلم - تولي قومه عنه ومباعدتهم عما جاء به ، فجلس ذات يوم في نادية من أندية قريش ، وتمنى في نفسه أن يأتيه الله بما يقارب به بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم ، وأن لا يأتيه بما ينفرون عنه ، فأنزل الله تعالى سورة النجم ، فقرأ عليهم حتى بلغ nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أفرأيتم اللات والعزى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهم لترتجى ، ففرحت قريش ، ومضى كل على قراءته وسجد في آخر السورة ، فسجد المسلمون لسجوده ، وسجد جميع من كان هناك من المشركين ، وتفرقوا مسرورين بما سمعوا منه - عليه السلام - وما رأوه من السجدة ، وقالوا : قد ذكر محمد آلهتنا فأحسن الذكر ، فنحن نوافقه كما وافقنا في مدح الأصنام ، فلما انتهى - صلى الله عليه وسلم - أتاهجبريل فقال : ما صنعت ! تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله ، وقلت ما لم أقل لك ؟ فحزن - عليه السلام - حزنا شديدا ، فخاف منه تعالى خوفا بليغا فأنزل الله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فقالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من مدح آلهتنا عند الله تعالى ، فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه ، وأما سجود الجن ، فكان منهم مسلمون ومشركون فوافقوا الرسول كما وافق الإنس اهـ .
[ ص: 810 ] ومعنى قوله : ألقى الشيطان على لسانه ، أي : ألقى الشيطان تلك الكلمات على منوال لسانه وحكاية صوته - عليه السلام - فإن الشيطان ليس له قوة الإلقاء ، ولا قدرة الإغواء على سيد الأنبياء وسند الأصفياء ، ولذا قال الطيبي : لعله - عليه السلام - سجد هذه السجدة لما وصفه الله تعالى في مفتتح السورة من أنه nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى وذكر شأن قربه من الله تعالى ، وأراه من آيات ربه الكبرى ، وأنه ما زاغ البصر وما طغى شكرا لله تعالى على تلك النعمة العظمى ، والمشركون لما سمعوا أسماء طواغيتهم اللات والعزى سجدوا معه ، وأما ما يروى أنهم سجدوا لما مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - أباطيلهم فقول باطل من مخترعات الزنادقة اهـ .
لكن تعليله السجدة ، بما ذكر غير صحيح ، فإن سجدته سجدة تلاوة لا سجدة شكر بلا خلاف ، ثم رأيت ابن حجر تعقبه بقوله : nindex.php?page=treesubj&link=1890سبب سجدات التلاوة في محالها الأربعة عشر ، أن آياتها مسوقة لمدح الساجدين أو ذم من أبى السجود أو الأمر به والحث عليه على أنها سجدة تلاوة لا سجدة شكر اهـ .
فشكرت الله تعالى على حسن التوارد ، ويؤيده عنوان الباب ؛ والله أعلم بالصواب .
ثم اعلم أن هذه القصة ردها غير واحد ، منهم الطيبي ، والبيضاوي لكن الشيخ ابن حجر في شرح البخاري أطال في ثبوتها ، ثم قال : وأحسن ما قيل في التأويل أن الشيطان ألقى ذلك في سكتة من سكتاته ، ولم يفطن لها - عليه السلام - وسمعها غيره فأشاعها ، قلت : الظاهر أن الكافرين هم السامعون ، وقال البغوي : الأكثرون على أنها جرت على لسانه سهوا ونبه عليه ، قال شيخنا عمدة المفسرين الشيخ عطية نقلا عن شيخه الإمام أبي الحسن البكري : أنه لا يقدح ذلك في العصمة لكونه من غير قصد كحركة المرتعش اهـ .
لكن قال صاحب المدارك : إجراء الشيطان ذلك على لسانه - عليه السلام - جبرا بحيث لم يقدر على الامتناع عنه ممتنع ; لأن الشيطان لا يقدر على ذلك في حق غيره لقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ففي حقه بالأولى ؛ والقول بأنه جرى ذلك على لسانه سهوا أو غفلة مردود أيضا ; لأنه لا يجوز مثل هذه الغفلة عليه ، سيما في حال تبليغ الوحي ، ولو جاز لبطل الاعتماد على قوله ، ثم اختار التأويل الذي ذكره الشيخ ابن حجر ، ثم قال : وكان الشيطان يتكلم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسمع كلامه ، فقد روي أنه نادى يوم أحد : ألا إن محمدا قد قتل ، وقال يوم بدر : nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=48لا غالب لكم اليوم من الناس ( رواه البخاري ) قال ميرك : ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .