الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

1044 - عن محمد بن إبراهيم ، عن قيس بن عمرو ، رضي الله عنه ، قال : رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صلاة الصبح ركعتين ركعتين " ، فقال الرجل : إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما ، فصليتهما الآن ، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو داود .

وروى الترمذي نحوه ، وقال : إسناد هذا الحديث ليس بمتصل ; لأن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس بن عمرو ، وفي " شرح السنة " " ونسخ المصابيح " عن قيس بن قهد نحوه .

التالي السابق


الفصل الثاني

1044 - ( عن محمد بن إبراهيم ) : من صغار التابعين ، كذا في مقدمة فتح الباري ، قال الطيبي : وهو تميمي وفي إسناده مقال ، ( عن قيس بن عمرو ) : وهو أنصاري ، قاله الطيبي ، قال : رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا ) : سيأتي في رواية : أنه قيس ( يصلي بعد صلاة الصبح ) ، أي : بعد فرض الصبح ( ركعتين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صلاة الصبح " ) : بالنصب بتقدير فعل أي : افعلوا أو الزموا أو اجعلوا أو صلوا صلاة الصبح ( " ركعتين " ) : وفي نسخة صحيحة : " ركعتين ركعتين " لتأكيد نفي الزيادة ، إذ التقدير : ركعتين سنة ، وركعتين فريضة ، هذا ما ظهر لي في هذا المقام ، وقال الطيبي : " ركعتين " منصوب بفعل مضمر تقديره : أتصلي بعد صلاة الصبح ركعتين وليس بعدها صلاة ؟ وتبعه ابن حجر فقال : أي أتصلي صلاة الصبح وتصلي بعدها ركعتين ركعتين ، وقد علمت أنه لا صلاة بعدها ؟ فالاستفهام المقدم للإنكار ، وركعتين الثاني تأكيد لفظي ، أي : هذه صلاة الصبح صليتها ، فكيف تصلي بعدها اهـ ؟ .

ولا يخفى ما في كلامهما من التكلف والتعسف ، ( فقال الرجل : إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما ) ، أي : قبل صلاة الصبح ، وفي نسخة صحيحة : قبلهما ، أي : قبل ركعتي الصبح ، ( فصليتهما الآن ) : قال الطيبي : فاعتذر الرجل بأنه قد أتى بالفرض وترك النافلة ، وحينئذ أتى بها ، وهذا هو مذهب الشافعي ومحمد ، قلت مذهب محمد أنها تقضى بعد طلوع الشمس ، قال : وعند أبي حنيفة ، وأبي يوسف : لا قضاء بعد الفوت ، يعني انفرادا ، وأما إذا فات فرض الصبح فإن السنة تقضى تبعا له قبل الزوال ، والسنة القبلية في الظهر أيضا تقضى بعده بعد الركعتين ، أو قبلهما على خلاف في الأولوية ، مع أن تقديم الركعتين أصح لحديث رواه ابن ماجه ، وهو مختار ابن الهمام ، ( فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : قال ابن الملك : سكوته يدل على قضاء سنة الصبح بعد فرضه لمن لم يصلها قبله ، وبه قال الشافعي ، قلت ؟ وسيأتي أن الحديث لم يثبت ، فلا يكون حجة على أبي حنيفة ، ( رواه أبو داود ) : قال ميرك : ورواه ابن ماجه ، والترمذي ، من طريق محمد بن إبراهيم ، عن قيس بن عمرو بن سهل ، ويقال : قيس بن قهد الأنصاري رفعه .

[ ص: 827 ] ( وروى الترمذي نحوه ، وقال : إسناد هذا الحديث ليس بمتصل ; لأن محمد بن إبراهيم لم يسمعه من قيس بن عمرو ) : قال : وروى بعضهم عن محمد بن إبراهيم ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج فرأى قيسا فهو مرسل ، نقله ميرك ، ( وفي شرح السنة ، ونسخ المصابيح ، عن قيس بن قهد ) : بالقاف والدال ، قال في التهذيب : بفتح القاف ، وفي نسخة بالفاء ، قال في المغني : قيس بن قهد بفتح قاف وسكون هاء فدال مهملة ، وقيل قيس بن عمرو بن قهد ، وقيل : بفاء إذ لا يعرف بقاف إلا قيس بن قهد ، ( نحوه ) : بالنصب ، أي : روى نحوه ، وفي نسخة بالرفع على أنه مبتدأ ، قال الطيبي : أشار المؤلف إلى الاختلاف ، وأن الصحيح هو الأول ، وهو قيس بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري النجاري ، وهو صحابي ، وقيل : هو قيس بن قهد من بني النجار أيضا اهـ .

ونقل ميرك عن التصحيح ، أن قيس بن قهد بالقاف المفتوحة وإسكان الهاء ، وقيس بن عمرو كلاهما من بني النجار ، وقيل : هما واحد وليس ببعيد ، وأغرب ابن حجر حيث قال : ويغني عن ذلك قوله - عليه السلام - : ( " لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر " ) ، فإنه صادق بصلاتهما بعد الصبح وقبله " ، اهـ ، وهو مخالف للإجماع على أن ركعتي الصبح من السنن القبلية ، قال : وأما أخذ الأئمة الثلاثة دخول الكراهة بأول وقت الصبح والعصر ، فيعارضه خبر مسلم السابق ، عن عمرو بن عبسة لتصريحه فيه بتقييد النهي بما بعد صلاة الصبح والعصر ، بل فيه التصريح بأن الصلاة قبل فعل العصر مشهودة محضورة ، ونقل الترمذي إجماع العلماء على الأول ممنوع ، بل سهو ، والمعظم كما قاله الرافعي على التقييد بما في الحديث ، وميل جمع من أئمتنا إلى ترجيح الإطلاق - ضعيف اهـ ، ونسبة المسألة إلى الثلاثة على الإطلاق غير صحيح ; لأن في مذهبنا تكره النوافل قبل صلاة الصبح لا سنته ، وتكره بعده مطلقا ، وأما العصر فلا تكره النوافل إلا بعد صلاته لا بعد دخول وقته .




الخدمات العلمية