الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
1129 - nindex.php?page=hadith&LINKID=10358055عن أنس رضي الله عنه ، قال : ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه . متفق عليه .
أي : من nindex.php?page=treesubj&link=32816مراعاة المأمومين بالتخفيف في الصلاة .
الفصل الأول
1129 - ( عن أنس قال : ما صليت وراء إمام قط ) أي : مع طول عمره فإنه آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة إحدى وتسعين ، وله من العمر مائة وثلاث سنين . ( أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم ) : قال القاضي : خفة الصلاة عبارة عن عدم تطويل قراءتها والاقتصار على قصار المفصل ، وكذا قصر المنفصل ، وعن ترك الدعوات الطويلة في الانتقالات ، وتمامها عبارة عن الإتيان بجميع الأركان والسنن واللبث راكعا وساجدا بقدر ما يسبح ثلاثا ، انتهى . وفيه ، إيهام أنه ما كان يقرأ أوساط المفصل وطوالها ، وقد ثبت قراءته إياها ، فالمعنى بالخفة أنه ما كان يمططها ويمددها في غير مواضعها ، كما يفعله الأئمة المعظمة حتى في مكة المكرمة في زماننا ، فإنهم يمدون في المدات الطبيعية قدر ثلاث ألفات ، ويطولون السكتات في مواضع الوقوفات ، ويزيدون في عدد التسبيحات انتظارا لفراغ المكبرين المطولين في النغمات ، بل كانت قراءته عليه السلام مجودة محسنة مرتلة مبينة ، ومن خاصية قراءته اللطيفة أنها كانت خفيفة على النفوس الشريفة ، ولو كانت طويلة ; لأن الأرواح لا تشبع منها والأشباح لا تقنع بها ، والمذهب عندنا أنه لا ينبغي للإمام أن يطيل التسبيح أو غيره على وجه يمل به القوم بعد الإتيان بقدر السنة ; لأن التطويل سبب التنفير ، وأنه مكروه وإن رضي القوم بالزيادة لا يكره ، ولا ينبغي أن ينقص عن قدر أقل السنة في القراءة والتسبيح لمللهم . ( وإن كان ) أي : وإنه كان ( ليسمع بكاء الصبي ) : قال ابن الملك : إن هذه مخففة من الثقيلة ، ولذلك دخلت على فعل المبتدأ ولزمتها اللام فارقة بينها وبين النافية والشرطية ( فيخفف ) أي : صلاته بعد إرادة إطالتها كما سيجيء مصرحا ( مخافة ) : بفتح الميم ، أي خوفا ( أن تفتن ) : من الفتنة أو الافتتان ، أي : من أن تتشوش وتحزن ( أمه ) : وقيل : يشوش قلبها ويزول ذوقها وحضورها في الصلاة من فتن الرجل ، أي : أصابه فتنة ، ولا يبعد أن يكون رحمة على الأم والطفل أيضا ، قال الخطابي : فيه دليل على أن nindex.php?page=treesubj&link=1678الإمام إذا أحس برجل يريد معه الصلاة وهو راكع جاز له أن ينتظر راكعا ليدرك الركعة ; لأنه لما جاز أن يقتصر لحاجة إنسان في أمر دنيوي كان له أن يزيد في أمر أخروي ، وكرهه بعضهم وقال : أخاف أن يكون شركا وهو مذهب مالك ، انتهى .
وجعل اقتصاره عليه السلام لأمر دنيوي غير مرضي ، وفي استدلاله نظر ; إذ فرق بين تخفيف الطاعة وترك الإطالة لغرض ، وبين إطالة العبادة بسبب شخص ، فإنه من الرياء المتعارف ، وقال الفضيل مبالغا : العبادة لغير الله شرك ، وتركها لغيره تعالى رياء ، والإخلاص أن يخلصك الله تعالى عنهما ، وأيضا الإمام مأمور بالتخفيف ومنهي عن الإطالة ، وأيضا ترك التخفيف مضر لا يمكن تداركه بخلاف ترك الإطالة في الصلاة المذكورة فإنه لا يفوت به شيء أصلي أصلا . نعم لو صورت المسألة في القعدة الأخيرة لكان له وجه حسن ، لكني لم أر من ذكره ، والله أعلم . والمذهب عندنا أن الإمام لو أطال الركوع لإدراك الجائي لا تقربا بالركوع لله تعالى فهو مكروه كراهة تحريم ، ويخشى عليه منه أمر عظيم ، ولكن لا يكفر بسبب ذلك ; لأنه لم ينو به عبادة غير الله تعالى ، وقيل : إن كان لا يعرف الجائي فلا بأس أن يطيل وإلا صح أن تركه أولى ، وأما لو أطال الركوع تقربا من غير أن يتخالج قلبه بشيء سوى التقرب لله تعالى فلا بأس ، ولا شك أن مثل هذه الحالة في غاية الندرة ، وهذه المسألة تلقب بمسألة الرياء ، فالاحتراز والاحتياط فيها أولى ، كذا في شرح المنية ملخصا .
وأما ما روى أبو داود من أنه عليه السلام كان ينتظر في صلاته مادام يسمع وقع نعل فضعيف ، ولو صح فتأويله أنه كان يتوقف في إقامة صلاته ، أو تحمل الكراهة على ما إذا عرف الجائي ، ويدل عليه ما صح أنه عليه الصلاة والسلام كان يطيل الأولى من الظهر كي يدركها الناس ، لكن فيه أنه من ظن الصحابي رضي الله عنه ، والله أعلم بما أراد به صلى الله عليه وسلم . ( متفق عليه ) .