الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1213 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : رب اغفر لي " ، أو قال : " ثم دعا ; استجيب له ، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته " . رواه البخاري .

التالي السابق


1213 - ( وعن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تعار " ) : بتشديد الراء ، أي : انتبه من النوم ، وقيل : تقلب في فراشه ( " من الليل " ) ، أي : في الليل ، قال ابن الملك : يقال : تعار من الليل : إذا استيقظ من نومه مع صوت ، وهذه اليقظة تكون مع كلام غالبا فأحب عليه الصلاة والسلام أن يكون ذلك تسبيحا وتهليلا ولا يوجد ذلك إلا ممن استأنس بالذكر . اهـ . وتحقيقه ما نقل ميرك عن التوربشتي أنه قال : نقل أبو عبيد الهروي في كتابه عن ثعلب ، قال : اختلف الناس في تعار ، فقال قوم : انتبه ، وقال قوم : علم ، وقال قوم : تمطى وإن قلت : وأرى أن كلا من هؤلاء قد ذهبوا إلى معان غير متقاربة من الاشتقاق اللفظي إلا قول من قال انتبه وقد بقيت عليه بقية وهي أن تعار يتعار يستعمل في انتباه مع صوت . يقال : تعار الرجل : إذا هب من نومه مع صوت ، ويحتمل أنه أخذ من عرار الظليم وهو صوته يقال : عر الظليم ، أي الذكر من النعام ، ويقول بعضهم : عر الظليم يعر عرارا ، كما قالوا : زمر النعام يزمر زمارا ، وأرى استعمال هذا اللفظ في هذا الموضع دون الهبوب والانتباه والاستيقاظ وما في معناه لزيادة معنى ، وهو أنه أراد أن يخبر بأن من هب من نومه ذاكرا لله تعالى مع الهبوب فيسأل الله خيرا أعطاه إياه ، فأوجز في اللفظ ، وأعرض في المعنى ، وأتى من جوامع الكلم التي أوتيها بقوله : تعار ليدل على المعنيين ، وأراده مثل قوله تعالى : ( يخرون للأذقان سجدا ) فإن معنى خر سقط سقوطا يسمع منه خرير ، في استعمال الخرور في هذا الموضع وما في معناه من كتاب الله تنبيه على اجتماع الأمرين السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، وكذلك في قوله : ( تعار ) تنبيه على الجمع بين الانتباه والذكر ، وإنما يوجد ذلك عند من تعود الذكر فاستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته ، ولله در قائله :

يهيم فؤادي ما حييت بذكرها ولو أنني أرممت أن به الصدى . اهـ . قال ابن التين : ظاهر الحديث أن معنى تعار استيقظ ; لأنه عطف القول على التعار ، قال الشيخ : يحتمل أن تكون الفاء تفسيرا لما يتكلم به المستيقظ ; لأنه قد يتكلم بغير ذكر ، ذكره الأبهري . ( " فقال : لا إله إلا الله " ) ، أي : ليس في الكون غيره ديار ( " وحده " ) ، أي : منفردا بالذات والصفات والأفعال والآثار وغيره كالهباء المنثور من أثر غبار الأغيار في أعين أعيان الموحدين الأبرار ( " لا شريك له " ) : في الألوهية والربوبية ( " له الملك " ) : باطنا وظاهرا ( " وله الحمد " ) : أولا وآخرا ( " وهو على كل شيء " ) : دخل تحت مشيئته وتعلق بإرادته ( " قدير " ) : تام القدرة كامل الإرادة ( " وسبحان الله " ) : تنزيه له عن صفات النقص وزوال الكمال ( " والحمد لله " ) : على صفتيه الجمال والجلال ، قال العسقلاني : لم يختلف الرواة في تقديم الحمد على التسبيح ، لكن عند الإسماعيلي بالعكس ، والظاهر أنه من تصرف الرواة ; لأن الواو لا تستلزم الترتيب . اهـ .

وفيه إشارة إلى أن من قدم التسبيح راعى الترتيب ، فإن التصفية والتخلية تتقدم عادة على التجلية والتحلية ، والحاصل أن تقديم سبحان الله على الحمد لله رواية شاذة ، والجمهور على العكس كما في الحصن للجزري أيضا . ( " ولا إله إلا الله " ) : الموصوف بصفات الكمال ، المنزه عن النقص والزوال ( " والله أكبر " ) : من كل ما يخطر بالبال ( " ولا حول ولا قوة إلا بالله " ) : في كل الأحوال ، ومعناه : لا تحول عن المعصية وغيرها ولا قوة على الطاعة ونحوها إلا بعصمته وإعانته وبمشيئته وإرادته . ( " ثم قال : رب اغفر لي " ) : وفي نسخة : اللهم اغفر لي ( أو قال : " ثم دعا " ) : شك الراوي ، قاله ابن الملك في البخاري : اللهم اغفر لي أو دعا ، قال الشيخ : " أو " للشك ، ويحتمل أن يكون للتنويع ، [ ص: 918 ] ويؤيد الأول ما عند الإسماعيلي ، ثم قال : " رب اغفر لي ، غفر له " ، أو قال " فدعا ، استجيب له " ، شك الوليد ، ذكره الأبهري ، وفي الحصن : " اللهم اغفر لي " أو يدعو من غير لفظ ، ثم قال ، والله أعلم ( " استجيب له " ) ، أي : ما دعاه من خصوص المغفرة أو من عموم المسألة ، قال ابن الملك : المراد بها الاستجابة اليقينية ; لأن الاحتمالية ثابتة في غير هذا الدعاء ( " فإن توضأ وصلى " ) : قال الطيبي قوله : فإن توضأ يجوز أن يعطف على قوله : دعا أو على قوله : قال لا إله إلا الله ، والأول أظهر ، والمعنى من استيقظ من النوم فقال : كيت وكيت ثم إن دعا استجيب له ، فإن صلى ( " قبلت صلاته " ) . اهـ . وكأنه اختار الأول لقربه اللفظي ، مع أنه يلزم منه الشك والترديد ، ولم يقل به أحد في هذه الجملة ، فالظاهر هو الثاني ; لأن المدار على المعاني ، قال ابن الملك : وهذه المقبولية اليقينية على الصلاة المتعقبة على الدعوة الحقيقية كما قبلها . ( رواه البخاري ) : ورواه الأربعة على ما في الحصن .




الخدمات العلمية