الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
128 - وعن عائشة ، رضي الله عنها ، أن يهودية دخلت عليها ، فذكرت عذاب القبر فقالت لها : أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر . فقال : ( نعم ، عذاب القبر حق ) . قالت عائشة : فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلى صلاة إلا تعوذ بالله من عذاب القبر . متفق عليه .

التالي السابق


128 - ( وعن عائشة ) : رضي الله عنها ( أن يهودية دخلت عليها ) ، قال ابن حجر : لا يلزم من ذلك رؤية اليهودية لعائشة المحرم عندنا لمفهوم قوله تعالى : أو نسائهن المقتضي لحرمة كشف المسلمة شيئا من بدنها لكافرة لأنها قد تصفها لكافر فيفتنها اهـ .

ومفهوم المخالفة عندنا غير معتبر ، ولم ينقل أحد أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة كن يحتجبن عن نساء الكفار ( فذكرت ) ، أي : اليهودية ( عذاب القبر ، فقالت ) ، أي : اليهودية ، وهو يحتمل أن يكون تفسيرا أو تفريعا ( لها ) ، أي : لعائشة ( أعاذك الله ) ، أي : حفظك وأجارك ( من عذاب القبر ) ، جاز علم اليهودية بعذاب القبر لقراءتها في التوراة ، أو لسمعها ممن قرأ في التوراة ، وكانت عائشة لم تعلم ولم تسمع ذلك ( فسألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر ) ، أي : أحق هو ؟ ( فقال : نعم عذاب القبر حق ) . ، أي : ثابت ومتحقق وكائن وصدق ( قالت عائشة : فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ) ، أي : بعد سؤالي ذلك ( صلى صلاة إلا تعوذ بالله من عذاب القبر ) . وهو يحتمل داخل الصلاة وخارجها ، والأول أظهر ، ومن ثم أوجب ذلك بعض العلماء . قيل : يحتمل أنه ما علم ذلك قبل ، أو علم ولم يتعوذ حتى سمع من اليهودية فتعوذ ، أو كان يتعوذ ولم تشعر به عائشة ، وقيل : كان يتعوذ منه قبل هذا سرا ، فلما رأى تعجبها منه أعلن به خلف كل صلاة ; ليثبت في قلبها وليقتدي به أمته ، وليشتهر ذلك بين الأمة ويترسخ في عقائدهم ، وليكونوا على خيفة منه ، وجاز أنه عليه الصلاة والسلام كان قبل هذا يتعوذ منه سرا متوقفا في شأن أمته فيه قبل أن يوحى إليه ، ثم تعوذ منه أعاذنا الله بلطفه منه .

قال التوربشتي : روى الطحاوي أنه عليه الصلاة والسلام سمع اليهودية قالت ذلك فارتاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أوحي إليه بفتنة القبر ، ووجدت في حديث آخر أن عائشة رضي الله عنها قالت : لا أدري أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ قبل ذلك ولم أشعر به ، أو تعوذ بقول اليهودية؟ قال الطيبي : فعلى [ ص: 208 ] هذا فيه تواضع منه عليه الصلاة والسلام ، وإرشاد للخلق إلى قبول الحق من أي شخص كان ، فإن الحكمة ضالة المؤمن ، وفيه : أنه يبعد أنه عليه الصلاة والسلام يعتمد في المسألة الاعتقادية على قول اليهودية ، بل إنه اعتمد على الوحي كما تقدم ، والله أعلم .

وأما قول ابن حجر : " وما نقل عن الطحاوي يحتاج إلى نقل " فهو غريب لأن نقله نقل فإنه من المحدثين المشهورين المعروفين بالثقة والعدالة والضبط في الغاية ، لا سيما وهذا ليس مما يقال بالرأي فيجب حسن الظن به ، ومن العجيب أنه لو نقل مثل هذا عمن هو دونه في الرتبة من أصحاب مذهبه كان سندا معتمدا عنده ، ثم في الحديث تنبيه على أنه لا يجوز لأحد من خلق الله أن يأمن من عذاب الله . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية