الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1368 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قرأ : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) الآية ، وعنده يهودي . فقال : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذناها عيدا . فقال ابن عباس : فإنها نزلت في يوم عيدين ، في يوم جمعة ، ويوم عرفة . رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب .

التالي السابق


1368 - ( وعن ابن عباس أنه قرأ : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) الآية ) : قال الطيبي ، أي : كفيتكم شر عدوكم وجعلت لكم اليد العليا ، كما تقول الملوك : اليوم كمل لنا الملك ، إذا كفوا من ينازعهم الملك ، ووصلوا إلى أغراضهم ، ومباغيهم ، أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام وقوانين القياس وأصول الاجتهاد اهـ .

والثاني أظهر لأول الآية ، والأول أنسب لبقيتها من قوله تعالى : ( وأتممت عليكم نعمتي ) فالمعنى : أكملت لكم أركان دينكم ، وأتممت عليكم أمور دنياكم التي تتضمن لنعم عقباكم وتوصلكم إلى رضا مولاكم ، ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، أي : اخترت أن يكون الإسلام وهو الانقياد التام دينا لكم فإن الدين [ ص: 1022 ] التام عند الله الإسلام ويترتب عليه إتمام الإنعام ( وعنده ) : أي : وعند ابن عباس ( يهودي ) ، أي : حاضر ( فقال ) ، أي : اليهودي ( لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذناها ) ، أي : جعلنا يوم نزولها ( عيدا ) ، أي : سرورا عظيما وفرحا ، وسيما في سائر الأيام ، أو جعلنا وقت نزولها يوم عيد ( فقال ابن عباس : فإنها ) ، أي : الآية ( نزلت ) ، أي : علينا ( في يوم عيدين ) ، أي : وقت عيدين لنا أو في يومي عيد ، وإنما عدل عنه لئلا يتوهم أن العيد اجتماعهما دون انفرادهما والله أعلم . ( في يوم الجمعة ، ويوم عرفة ) : بدل مما قبله بإعادة الجار يعني أنزلها الله في يومي عيد لنا فضلا وإحسانا من غير أن نجعلهما عيدين بأنفسنا ، أو قد تضاعف السرور لنا بإنزالها فإنا نعظم الوقت الذي نزلت فيه مرتين ، وإن كان نزولها في الوقت المشتمل على اليومين ، فإنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة وهو يوم الجمعة ، ولذا يسمى الحج الأكبر على الذي اشتهر ، ثم في تقديم ابن عباس يوم الجمعة على عرفة ، إما لكون الأول أفضل ، أو لأن التعبد بيوم عرفة والتعبد فيه وهو مختص بالحرمين ، ويوم الجمعة عام للمسلمين .

قال الطيبي : في جواب ابن عباس لليهودي إشارة إلى الزيادة في الجواب ، يعني ما اتخذناه عيدا واحدا بل عيدين ، وتكرير اليوم تقرير لاستقلال كل يوم بما سمي به ، وإضافة يوم إلى عيدين كإضافة اليوم إلى الجمعة ، أي يوم الفرح المجموع ، والمعنى يوم الفرح الذي يعودون مرة بعد أخرى فيه إلى السرور ، قال الراغب : العيد ما يعاود مرة بعد أخرى ، وخص في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر ، ولما كان ذلك اليوم مجعولا للسرور في الشريعة كما نبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " أيام أكل وشرب وبعال " صار يستعمل العيد في كل يوم فيه مسرة . ( رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب ) .

قال ميرك : وفي البخاري من طريق عبد الله بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن قيس بن سلمة ، عن طارق بن شهاب ، قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرأون آية لو نزلت علينا لاتخذناها عيدا ، فقال عمر : إني لأعلم حيث أنزلت ، وأين أنزلت ، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت يوم عرفة ، وإنا والله بعرفة ، قال سفيان : وأشك كان يوم الجمعة أم لا ؟ ( اليوم أكملت لكم دينكم ) : الآية .

وأخرج أيضا من طريق جعفر بن عون ، حدثنا أبو العميس ، أخبرنا قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ! آية في كتابكم تقرأونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ، قال : أي آية ؟ قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، فقال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم ، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة . وفي رواية الطبراني في تفسيره من رواية إسحاق بن قبيصة نزلت يوم جمعة يوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد . وعند الطبراني في الأوسط : وهما لنا عيدان ، والرجل المبهم المذكور في الرواية الثانية للبخاري هو : كعب الأحبار ، كذا جاء مسمى في مسند مسدد بإسناد حسن ، وأورده ابن عساكر في أول تاريخ دمشق من طريقه ، وهو في المعجم الأوسط للطبراني من هذا الوجه ، وكان سؤاله لعمر عن ذلك قبل أن يسلم ، ولعل سؤاله كان في جماعة منهم ، ولذا قال في الرواية الأولى قالت اليهود . والله أعلم .




الخدمات العلمية