الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
134 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهسه وتلدغه حتى تقوم الساعة ، لو أن تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضرا " رواه الدارمي ، وروى الترمذي نحوه ، وقال : ( سبعون ) بدل ( تسعة وتسعون ) .

التالي السابق


134 - ( وعن أبي سعيد ) - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليسلط ) : بفتح اللامين وتشديد الثانية ( علىالكافر في قبره ) ، أي : والله ليجعل موكلا عليه للتعذيب والأذى ( تسعة وتسعون تنينا ) : بكسر التاء والنون المشددة وهي حية عظيمة كثيرة السم ، ووجه تخصيص العدد لا يعلم إلا بالوحي ، ويحتمل أن يقال : إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما ، فالكافر أشرك بمن له هذه الأسماء فسلط عليه بعدد كل اسم تنينا ، أو يقال قد روي : إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها واحدة في الدنيا بين الإنس والجن والبهائم والهوام فيها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر تسعة وتسعين إلى الآخرة لعباده المؤمنين ، فيسلط على الكافر بمقابلة كل رحمة للمؤمنين تنينا كذا قاله ابن الملك .

وقال حجة الإسلام : عدد التنين بعدد الأخلاق الذميمة التي فيه فإنها تنقلب في الآخرة إلى الحياة لأن الدنيا عالم الصورة والآخرة عالم المعنى . قال الطيبي : وإن أول التنينات بما ينزل بالشخص من التبعات والمكروهات ، ففيه من طريق العربية مساغ ، ولكن الأخذ بالظواهر أولى بأولي الألباب ، وأما استحالة ذلك بطريق العقول فإنها سبيل [ ص: 217 ] من لا خلاق له في الدين ، عصمنا الله تعالى من عثرة العقل وفتنة الصدر ( تنهسه ) : بالتأنيث وقيل بالتذكير وهو بالمهملة وروي بالمعجمة ، ففي النهاية : النهس : أخذ اللحم بأطراف الأسنان ، والنهش الأخذ بجميعها .

وفي القاموس نهس اللحم كمنع وسمع ، أخذه بمقدم أسنانه ونتفه ، ونهشه كمنعه نهسه ولسعه وعضه أو أخذه بأضراسه وبالسين أخذه بأطراف الأسنان ( وتلدغه ) : بفتح الدال المهملة . قيل : نهس ولدغ بمعنى واحد جمع بينهما تأكيدا أو لبيان أنواع العذاب ، وقيل : النهس القطع بالسن من غير إرسال السم فيه ، واللدغ ضرب السن بلا قطع لكن مع إرسال السم فيه كذا ذكره الأبهري ( حتى تقوم الساعة ، لو أن تنينا منها نفخ ) : بالمعجمة ، وقيل بالمهملة ( في الأرض ) ، أي : لو وصل ريح فمه وحرارته إليها ( ما أنبتت ) ، أي : الأرض ( خضرا ) : بفتح الخاء وكسر الضاد أي نباتا أخضر ، وروي بسكون الضاد ممدودا على فعلاء كحمراء ، والمراد بها الأخضر كذا قيل ، والأظهر ، أن يكون التقدير حبة خضراء . ( رواه الدارمي ) ، أي بهذا اللفظ ( وروى الترمذي نحوه ) ، أي : بالمعنى ( وقال : سبعون بدل ) : بالنصب ظرف ( تسعة وتسعون ) : بالرفع على الحكاية . قال العيني : هذه الرواية الأخيرة ضعيفة على ما في الأزهار . قال ابن حجر : وبتقدير ورودهما يجمع بأن الأول للمتبوعين من الكفار ، والثاني للتابعين ، أو بأن سبعين يعبر بها في لسان العرب عن العدد الكثير جدا ، فحينئذ هي لا تنافي الأولى لأنها مجملة وتلك مبينة لها . قلت : ويحتمل أن يكون باختلاف أحوالهم فإن الإمام الغزالي - رحمه الله - صرح بأن عذاب الكافر الفقير في النار أهون من عذاب الكافر الغني .




الخدمات العلمية