الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
1400 - ( وعن البراء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10358479حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة وليمس أحدهم من طيب أهله ، فإن لم يجد فالماء له طيب " . رواه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وقال : هذا حديث حسن .
1400 - ( وعن البراء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " حقا على المسلمين " ) قال الطيبي : حقا مصدر مؤكد أي : حق ذلك حقا ، فحذف الفعل ، وأقيم المصدر مقامه اختصارا ، وكان من حقه أن يؤخر بعد الكلام توكيدا له ، فقدمه اهتماما بشأنه ، وأما قول ابن حجر : حقا نصب بدلا عن اللفظ بفعله ، فغير صحيح ، ثم قوله : ( أن يغتسلوا ) فاعل ، وقوله : ( يوم الجمعة ) ظرف للاغتسال . قال ابن حجر : يؤخذ منه أنه يدخل وقته بالفجر ; فلا يجوز قبله خلافا للأوزاعي اهـ .
وفيه أنه لا دلالة للحديث على عدم جواز الغسل قبل اليوم ; فإن المقصود منه النظافة الموجودة عند الصلاة ، ولذا قال أصحابنا : الصحيح أن الغسل للصلاة لا لليوم ; بدليل أنه لو اغتسل بعد الصلاة لا [ ص: 1040 ] يجزئ إجماعا ، وقوله : ولا يبطله طرو حدث إجماعا ؛ غير صحيح لمخالفته مذهبنا الصحيح ، ثم ظاهر هذا الحديث ، والذي قبله من الأمر بالاغتسال ، وحديث الشيخين إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل ، يؤيد مذهب مالك مع صريح قوله - عليه الصلاة والسلام - nindex.php?page=treesubj&link=969_283غسل الجمعة واجب . رواه الشيخان ، لكن حمله الجمهور على السنة المؤكدة ، وقالوا بكراهة تركها للخبر الحسن ، بل صححه أبو حاتم الرازي من توضأ يوم الجمعة فبها أي : فبالرخصة أخذ ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل . وكون حديث الوجوب أصح لا يمنع حمله على تأكيد الندب بقرينة هذا الحديث ; لأن الجمع بين الأحاديث وإن لم تتقاوم في الصحة أولى من إلغاء بعضها . وفي البخاري : إن عثمان تأخر فجاء وعمر يخطب فأنكر عليه فاعتذر إليه بأنه كان له شغل فلم يزد على أن توضأ وحضر ، فقال عمر والوضوء أيضا اهـ .
وهو يحتمل أن عمر وعثمان كانا يعتقدان سنية الغسل أو وجوبه ، لكن جوزا تركه عند الضرورة من ضيق الوقت وغيره . وأما قول ابن حجر : ولم يأمره بالعود للغسل بحضرة المهاجرين والأنصار ; فدل ذلك على عدم وجوبه ، فهو أمر غريب واستدلال عجيب ، فإن الغسل ليس شرطا لصحة صلاة الجمعة بالإجماع ، وقد اعتذر عن التأخر وترك الغسل بالشغل ، وقد دخل في المسجد حال الخطبة ، وفاته وقت التدارك ، فكيف يأمره بالعود للغسل المؤدى إلى تفويت صلاة الجمعة أيضا ؟ ! على أن عمر - رضي الله عنه - غير مشرع فلا يدل عدم أمره على عدم وجوبه . ( وليمس ) بكسر اللام ويسكن . قال الطيبي : عطف على ما سبق بحسب المعنى ; إذ فيه سمة الأمر أي : ليغتسلوا وليمس ( أحدهم ) أقول : ولعل العدول عنه للإشارة إلى الفرق ، فإن الأول أكد ، أو للإيماء إلى أن الثاني لا يحصل لكل أحد ( من طيب أهله ) أي بشرط طيب أهله لقوله - عليه الصلاة والسلام - nindex.php?page=hadith&LINKID=10355921لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس ، أو من طيب له عند أهله ، أو من جنس طيب أهله ، لا من نوعه ; فإن الرجل ممنوع من طيب النساء ، وهو ما له لون ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10358480فإن لم يجد أي طيب فالماء له طيب وإن كان الجمع بينهما أطيب ) . قال ابن حجر : ولذا ورد : الماء طيب الفقراء . يعني : طيب من لا طيب له . قال الطيبي : أي عليه أن يجمع بين الماء والطيب ، فإن تعذر الطيب فالماء كاف ; لأن المقصود التنظيف وإزالة الرائحة الكريهة ، وفيه تطييب لخاطر المساكين ، وإشارة إلى ما لا يدرك كله لا يترك كله ( رواه أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وقال : هذا حديث حسن ) . وأما ما وقع في أصل ابن حجر حديث غريب فغريب مخالف للأصول .