الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1419 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى ، ومن فاتته الركعتان فليصل أربعا " أو قال : " الظهر " . رواه الدارقطني .

التالي السابق


1419 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من أدرك من الجمعة ركعة فليصل " ) : من الوصل . ( " إليها " ) أي : إلى تلك الركعة . ( " أخرى " ) : كما مر فتذكر . ( " ومن فاتته الركعتان " ) أي : صلاتها ، وقيل : أي : الركوعان . قال ابن حجر : بأن يدرك الإمام بعد ركوع الركعة الثانية ، والفرق بينها وبين سائر الصلوات أن الجمعة صلاة الكاملين ، والجماعة شرط في صحتها ; فاحتيط لها ما لم يحتط لغيرها ، فلم تدرك إلا بإدراك ركعة [ ص: 1050 ] كاملة ، كما صرح به هذا الحديث والحديث السابق اهـ . وفيه أن هذا ليس من باب التصريح ، بل من باب مفهوم المخالف المعتبر عندهم ، الممنوع عندنا على الصحيح . ( " فليصل " ) : بضم ففتح فتشديد . ( " أربعا " ) أي : الظهر . ( أو قال : " الظهر " ) أي : بدل ( أربعا ) . ( رواه الدارقطني ) : ورواه الحاكم بهذا اللفظ ، وبلفظ : " من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " . وقال في كل منهما إسناده على شرط الشيخين ، واعترضه النووي بأنه لا يخلو عن ضعف ، ويغني عنه ما تقدم من خبر الصحيحين : " من أدرك ركعة من صلاة فقد أدرك الصلاة " . وفي شرح المنية : من أدرك الإمام فيهما صلى معه ما أدرك ، وبنى عليه الجمعة ، وإن أدركه في التشهد أو سجود السهو . وقال محمد : إن أدرك معه ركوع الثانية بنى عليها الجمعة ، وإن أدركها فيما بعد ذلك بنى عليها الظهر .

قال صاحب الهداية : لهما إطلاق قوله - عليه الصلاة والسلام - أخرجه الستة في كتبهم ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة . قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها تمشون ، وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " . وفي رواية : " فاقضوا " . قال ابن الهمام : وبين اللفظين فرق في الحكم ، فمن أخذ بلفظ : " أتموا " قال : ما يدركه المسبوق أول صلاته ، ومن أخذ بلفظ " فاقضوا " قال : ما يدركه آخرها ، ثم قال : وما رواه من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها ركعة أخرى وإلا صلى أربعا لم يثبت . اهـ .

وأما لفظ المشكاة على تقدير ثبوته ، فلا دلالة له على صحة المخالفة ، لأن معنى من فاتته الركعتان أي : من لم يدرك شيئا منهما ، فليصل الظهر أي : لا قضاء الجمعة . وأما تفسير الركعتان بالركوعان ، فمن باب صرف النص عن ظاهره من غير داع إليه ، ولا حديث دال عليه ، هذا ومما يتعلق بالفوت الحكمي ، وهو ما لا يوجد في الجمعة شرط من شروطها ، فإن منها المصر ، لما روى ابن أبي شيبة موقوفا عن علي - رضي الله عنه - : لا جمعة ، ولا تشريق ، ولا صلاة فطر ، ولا أضحى ، إلا في مصر جامع ، أو في مدينة عظيمة .

قال ابن الهمام : صححه ابن حزم وكفى بعلي - كرم الله وجهه - قدوة ، وما روي عن عبد الرحمن بن كعب ، عن أبيه كعب بن مالك ، أنه قال : أول من جمع بنا في حرة بني بياضة أسعد بن زرارة ، وكان كعب إذا سمع النداء ترحم على أسعد لذلك قال : قلت : كم كنتم ؟ قال : أربعون . فكان قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة . ذكره البيهقي وغيره من أهل العلم ، فلا يلزم حجة ; لأنه كان قبل أن تفرض الجمعة ، وبغير علمه - صلى الله عليه وسلم - أيضا ، ثم أنزل الله فيه بعد قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، ولو سلم فتلك الحرة من أفنية المصر ، وللفناء حكم المصر ، فيسلم حديث علي عن المعارض ، ثم يجب أن يحمل على كونه سماعا ; لأن دليل الافتراض من كلام الله تعالى يفيده على العموم في الأمكنة ، فإقدامه على نفيها في بعض الأماكن لا يكون إلا عن سماع ; لأنه خلاف القياس المستمر في مثله ، وفي الصلوات الباقيات أيضا ، ولذا لم ينقل عن الصحابة أنهم حين فتحوا البلاد اشتغلوا بنصب المنابر والجمع إلا في الأمصار دون القرى ، ولو كان لنقل ولو آحادا اهـ .

واختلفوا في حد المصر اختلافا كثيرا قلما يتفق وقوعه في بلد ، ولذا قالوا : في كل موضع وقع الشك في جواز الجمعة ، ينبغي أن يصلي أربعا بعد الجمعة ينوي بها آخر فرض أدركت وقته ، ولم أؤده بعد ، فإن لم تصح الجمعة وقعت ظهرا ، وإن صحت وكان عليه ظهر يسقط عنه ، وإلا فنفل ، والأولى أن يصلي قبل الجمعة أربعا بنية سنة الوقت ، ثم أربعا بالنية المتقدمة ، ثم ركعتين بنية سنة الوقت ، فإن صحت الجمعة يكون المصلي قد أدى سنتها على وجهها ، وإلا فقد صلى الظهر مع سنته . قال في شرح المنية : ينبغي أن يقرأ السورة مع الفاتحة في الأربع التي بنية آخر الظهر ; فإنه إن وقع فرضا فلا تضره قراءة السورة ، وإن وقع نفلا فقراءة السورة واجبة اهـ .

ولا تغتر بقول من قال : إن كلا من الحرمين الشريفين مصر لصلاته - عليه الصلاة والسلام - فيهما ; لأن الأوصاف تختلف باختلاف الأوقات ، وأيضا من جملة حد المصر - على ما صححه صاحب الهداية - أنه الموضع الذي له أمير وقاض ينفذ الأحكام ، ويقيم الحدود ، ولا شك ، ولا ريب أن القاضي المنفذ للأحكام عزيز ، بل معدوم من بين الأنام ; لأن غالب القضاة يأخذون القضاء بالدراهم ، واختلف في صحة تقلده ، ثم غالبهم يأخذون الرشا ، واختلف في انعزالهم مع الاتفاق على استحقاق انعزالهم ، ثم أكثرهم ما ينفذون الأحكام إما لجهلهم أو لعدم التفاتهم ، ووجود فسقهم ، ولو فرض فرد منهم متصف بأوصاف القضاء ، وأرادوا إجراء الأحكام على وفق نظام الإسلام منعهم الأمراء والحكام ، والاحتياط في الدين من شيم المتقين .




الخدمات العلمية