الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1421 - وعن يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات ، عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يوم ذات الرقاع صلاة الخوف : أن طائفة صفت معه ، وطائفة وجاه العدو ، فصلى بالتي معه ركعة ، ثم ثبت قائما ، وأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا ، فصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى ، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم . متفق عليه .

وأخرج البخاري بطريق آخر عن القاسم ، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


1421 - ( وعن يزيد بن رومان ) : بضم الراء . ( عن صالح بن خوات ) : بفتح المعجمة ، وتشديد الواو ، وبالتاء فوقها نقطتان ، أنصاري ، مدني ، تابعي ، مشهور ، عزيز الحديث ، سمع أباه ، وسهل بن أبي حثمة ، ذكره المؤلف . ( عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) قيل : إن اسم هذا المبهم سهل بن أبي حثمة ; لأن القاسم بن محمد روى حديث صلاة الخوف ، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، لكن الراجح أنه أبوه ; لأن أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان فقال : عن صالح بن خوات ، عن أبيه . أخرجه ابن منده في معرفة الصحابة من طريقه ، وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات ، عن أبيه ، ويحتمل أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل ; فلذلك كان يبهمه تارة ، ويعينه أخرى ، ذكره ميرك .

قلت : وهذا المحتمل متعين لما ثبت حديثه عنهما ولو رجح أحدهما ، ومثل هذا الإبهام لا يضر في الكلام ، فإنه محمول على قصد العام ، وكل الصحابة عدول عند جمهور العلماء الأعلام . ( يوم ذات الرقاع ) : بكسر الراء في السنة الخامسة من الهجرة ، و ( يوم ) ظرف . ( صلى ) قال السيد جمال الدين : وإنما سميت تلك الغزوة ذات الرقاع ; لأن أقدام الأصحاب قد نقبت ، فشدوا الرقاع أي : الخرق ، جمع الرقعة بمعنى الخرقة ، وهي القطعة من الثوب على أرجلهم ، [ ص: 1054 ] فسميت ذات الرقاع ، هذا ما قاله البخاري نقلا عن أبي موسى الأشعري . ورواه مسلم أيضا . وقيل : سميت بذلك لأنها كانت بأرض ذات ألوان مختلفة كالرقاع . وقيل : لأن فيه جبلا بعضه أحمر ، وبعضه أبيض ، وبعضه أسود . قلت : ويمكن الجمع . قال السيد : وقول جابر في هذا الحديث أي : كما سيأتي " وحتى إذا كنا بذات الرقاع " يشعر بأنه اسم مكان بعينه ، لكن يمكن أن يقال : أطلق اسم الحال على المحل اهـ .

( صلاة الخوف ) : مفعول ( صلى ) ، ( أن طائفة ) قال الطيبي : متعلق بما يتعلق به عمن أي : روي عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن طائفة . ( صفت معه ) أي : للصلاة . ( وطائفة ) : بالنصب للعطف ، وقيل بالرفع على الابتداء أي : وطائفة أخرى . ( وجاه العدو ) : بكسر الواو وضمها ، أي : حذاءهم وقبالتهم ، ونصبه على الظرفية بفعل مقدر قاله ابن الملك . قال الطيبي : صفة لطائفة أي : وطائفة صفت مقابل العدو . وفي النهاية : " وجاه " بكسر الواو ويضم . وفي رواية تجاه العدو فالتاء بدل من الواو ، مثلها في تقاة وتخمة . ( فصلى بالتي معه ركعة ثم ) أي : لما قام . ( ثبت قائما ، وأتموا لأنفسهم ) قال ابن حجر : وفارقه بالنية هؤلاء المقتدون به اهـ .

وهو مما لا دليل عليه نقلا ولا عقلا ، مع أنه يفوته ثواب الجماعة ( ثم ) أي : بعد سلامهم ( انصرفوا ) أي : إلى وجه العدو . ( فصلوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى ) أي : وهو قائم ينتظرهم فاقتدوا به . ( فصلى بهم الركعة التي بقيت ) أي : عليه . ( من صلاته ، ثم ) أي : لما جلس للتشهد . ( ثبت جالسا ) : قال ابن حجر : وقاموا من غير نية مفارقة . ( وأتموا لأنفسهم ) أي : ما بقي عليهم إلى أن جلسوا معه في التشهد الأخير . ( ثم ) أي : بعد تشهدهم . ( سلم بهم ) أي : بالطائفة الأخيرة ، أي : معهم ليحصل لهم فضيلة التسليم معه ، كما حصل للأولين فضيلة التحريم معه . قال الطيبي : أخذ مالك والشافعي بهذا الحديث ، وبالأول أبو حنيفة - رحمه الله - . ( متفق عليه ) قال ميرك : ورواه أبو داود ، والنسائي .

( وأخرج البخاري ) قال ميرك : ومسلم ، والأربعة أيضا . ( بطريق آخر : قال ابن حجر ) أي : نحوه ، والله أعلم به ، والظاهر أنه مثله . ( عن القاسم ، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) قلت : ومع وجود هذا الحديث الصحيح كيف يصح قول من قال فيما سبق : إن المبهم هو أبوه على الوجه الرجيح ؟ ! قال السيد : وأبو حثمة هذا كان دليل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد ، وشهد المشاهد بعدها ، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارصا لخيبر .




الخدمات العلمية