الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1537 - وعنه ، وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما يصيب المسلم من نصب ، ولا وصب ، ولا هم ، ولا حزن ، ولا أذى ، ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها خطاياه " متفق عليه .

التالي السابق


1537 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة . ( وعن أبي سعيد ) أي : الخدري كما في نسخة . ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما يصيب المسلم ) : " ما " نافية ، ومن زائدة للاستغراق في قوله . ( من نصب ، ولا وصب ) : بفتحتين فيهما ، والأول التعب ، والألم الذي يصيب البدن من جراحة وغيرها ، والثاني الألم اللازم ، والسقم الدائم على ما يفهم من النهاية . ( ولا هم ، ولا حزن ) : بضم الحاء وسكون الزاي : وبفتحهما . ( ولا أذى ، ولا غم ) : لا لتأكيد النفي في كلها . قال ابن حجر : الأذى كل ما لا يلائم النفس ، فهو أعم من الكل ، والظاهر أنه مختص بما يتأذى الإنسان من غيره كما أشار إليه قوله تعالى : لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، ومنه قوله تعالى : والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ومنه الحديث : " كل مؤذ في النار " ، والهم الذي يهم الرجل أي : يذيبه ، من هممت الشحم إذا أذبته ، والحزن هو الذي يظهر منه في القلب خشونة يقال : مكان حزن أي : خشن ، فالهم أخص ، والغم هو الحزن الذي يغم الرجل أي : يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه ، فالهم والحزن ما يصيب القلب من الألم بفوت محبوب ، إلا أن الغم أشدها ، والحزن أسهلها ، وقيل : الهم يختص بما هو آت ، والحزن بما فات . قال ميرك : روى الترمذي أن وكيعا قال : لم يسمع في الهم أن يكون كفارة إلا في هذا الحديث .

ومن غرائب فروع الشافعية ما ذكره ابن حجر قال أصحابنا : إذا اشتد الهم بإنسان كان عذرا له في ترك الجمعة والجماعة ; لأنه أشد كثيرا من أعذارها الواردة في السنة كالريح والمطر اهـ . وهو قياس فاسد كما لا يخفى مع مخالفته لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أرحنا بها يا بلال " . ولما ورد من أنه - عليه الصلاة والسلام - كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . ( حتى الشوكة ) : بالرفع ، حتى ابتدائية ، والجملة بعد الشوكة خبرها ، وبالجر ، فحتى عاطفة ، أو بمعنى " إلى " مما بعدها حال .

وقال الزركشي : بالنصب على أنه مفعول فعل مقدر ، أي : ست يجد الشوكة . ( يشاكها ) : الكشاف : شكت الرجل شوكة أدخلت في جسده شوكة وشيك على ما لم يسم فاعله يشاك شوكا اهـ . قيل : فيه ضمير المسلم أقيم مقام فاعله ، وها ضمير الشوكة أي : حتى الشوكة يشاك المسلم تلك الشوكة أي : تجرح أعضاؤه بشوكة ، والشوكة هاهنا المرة من شاكه ، ولو أراد واحدة النبات لقال : يشاك بها ، والدليل على أنها المرة من المصدر جعلها غاية للمعانة ، فلا معنى لقول الطيبـي ، وتابعه ابن حجر : أن الضمير في يشاك مفعوله الثاني . ( إلا كفر الله بها ) أي : بمقابلتها أو بسببها . ( من خطاياه ) أي : بعضها ، والاستثناء من أعم الأحوال المقدرة . ( متفق عليه ) : وفيه تنبيه نبيه على أن السالك إن عجز عن مرتبة الرضا ، وهي التلذذ بحلاوة البلاء أن لا يفوته تجرع مرارة الصبر في حب المولى ، فإنه ورد المصاب من حرم الثواب .




الخدمات العلمية