الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1582 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا أصاب أحدكم الحمى ، فليطفئها عنه بالماء ، فليستنقع في نهر جار وليستقبل جريته ، فيقول : بسم الله ، اللهم اشف عبدك ، وصدق رسولك . بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ، ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس ، فإن لم يبرأ في خمس فسبع ، فإن لم يبرأ في سبع فتسع ، فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله عز وجل " رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب .

التالي السابق


1582 - وعن ثوبان : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أصاب أحدكم الحمى " أي : أخذته . ( فإن الحمى قطعة من النار ) أي : لشدة ما يلقى المريض فيها من الحرارة الظاهرة والباطنة . وقال الطيبـي : جواب إذا فليعلم أنها كذلك . ( فليطفئها عنه بالماء ) أي : البارد . قال : ويحتمل أن يكون الجواب فليطفئها ، وقوله : فإن الحمى . معترضة . ( فليستنقع في نهر جار ) : بيان للإطفاء . ( وليستقبل جريته ) : بكسر الجيم ويفتح : قال الطيبـي : يقال : ما أشد جرية هذا الماء بالكسر ، ولعل هذا خاص ببعض أنواع الحمى الصفراوي التي يألفها أهل الحجاز ، فإن من الحمى ما يكاد معها أن يكون الماء قاتلا ، فلا ينبغي للمريض إطفاؤها بالماء إلا بعد مشاورة طبيب حاذق ثقة . ( فيقول ) أي : حال الاستقبال . ( بسم الله ، اللهم اشف عبدك ، وصدق رسولك ) أي : اجعل قوله هذا صادقا بأن تشفيني ، ذكره الطيبـي . ( بعد صلاة الصبح ) : ظرف لـ ( ليستنقع ) ، وكذا قوله : ( قبل طلوع الشمس ، ولينغمس ) وفي نسخة : وليغمس بفتح الياء وكسر الميم . ( فيه ) أي : في النهر أو في مائه . ( ثلاث غمسات ) : بفتحتين . ( ثلاثة أيام ) قال الطيبـي : قوله : ( ولينغمس ) بيان لقوله : ( فليستنقع ) جيء به لتعلق المرات . ( فإذا لم يبرأ ) : بفتح الراء . ( في ثلاث ) أي : ثلاث غمسات ، أو في ثلاثة أيام . ( فخمس ) : بالرفع . قال الطيبـي : أي : فالأيام التي ينبغي أن ينغمس فيها خمس أو فالمرات اهـ . وفي نسخة بالجر ففي خمس ( فإن لم يبرأ في خمس فسبع ) : بالوجهين ( فإن لم يبرأ في سبع فتسع ) : كذلك ( فإنها ) أي : الحمى ( لا تكاد ) أي : تقرب . ( تجاوز تسعا ) أي : بعد هذا العمل . ( بإذن الله - ) عز وجل - أي : بإرادته أو بأمره لها بالذهاب وعدم العود . ( رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب ) .

[ ص: 1150 ] قال السيوطي : ورواه أحمد وابن أبي الدنيا ، وابن السني ، وأبو نعيم ثم قال : وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن أبي الدنيا ، وابن حبان ، وابن السني وأبو نعيم ، والحاكم ، عن أبي حمزة قال : كنت أدفع الناس عن ابن عباس ، فاحتبست عنه أياما فقال : ما حبسك ؟ قلت : الحمى . فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ، أو بماء زمزم " . المشهور ضبط ( ابردوها ) بهمزة وصل والراء مضمومة أي : أسكنوا حرارتها ، وحكي كسر الراء ، وحكى القاضي عياض بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء من أبرد الشيء إذا عالجه فصيره باردا . قال الجوهري : إنها لغة رديئة ، وفي رواية مسلم وغيره عن عائشة : فأطفئوها بالماء . وفي رواية ابن ماجه ، عن أبي هريرة مرفوعا : " الحمى كير من كير جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد " . وأخرج أحمد وغيره عن فاطمة قالت ، أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نساء - نعوده ، فإذا نعوده ، فإذا سقاء معلقة يقطر ماؤها عليه من شدة ما يجده من الحمى ، فقلت : يا رسول الله ، لو دعوت الله أن يكشف عنك . فقال : إن أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم اهـ .

وفيه إشارة إلى أن المراتب في كل مقام ثلاثة : الأعلى ، والوسط ، والأدنى ، وعليه مدار منازل السائرين . قال المازري : يحتمل أن يكون الاغتسال للمحموم في وقت مخصوص ، فيكون من الخواص التي اطلع عليها - صلى الله عليه وسلم - ، ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب حيث يقولون : إن اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك ; لأنه يجمع المسام ، ويحقن بالبخار المتخلل ، ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم ، فيكون ذلك سببا للتلف . قال : ويحتمل أن يكون ذلك لبعض الحميات دون بعض ، ولبعض الأماكن دون بعض ، ولبعض الأشخاص دون بعض ، وهذا أوجه .

وقال أبو بكر الرازي : إذا كانت القوى قوية ، والحمى حارة ، والنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق ، فإن الماء البارد ينفع شربه ، فإن كان العليل خصب البدن والزمان حارا ، وكان معتادا باستعمال الماء البارد اغتسالا ، فليؤذن له ، وقد نزل ابن القيم حديث ثوبان على هذه القيود فقال : هذه الصفة تنفع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الحمى العرضية ، أو الغب الخالصة التي لا ورم معها ، ولا شيء من الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة ، فيطفئها بإذن الله تعالى ، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس ، ووفور القوى في ذلك الوقت ، لكونه عقب النوم والسكون وبرد الهواء . قال : والأيام التي أشار إليها هي التي تقع بحران الأمراض الحارة غالبا ، لا سيما البلاد الحارة ، والله أعلم .

قال الخطابي : غلط بعض من ينتسب إلى العلم ، فانغمس في الماء لما أصابته الحمى ، فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه ، فأصابته علة صعبة كادت تهلكه ، فلما خرج من علته قال قولا سيئا لا يحسن ذكره ، وإنما أوقعه في ذلك جهله بمعنى الحديث .




الخدمات العلمية