الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1618 - وعنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها ، إلا أخلف الله له خيرا منها ، فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ، أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه مسلم .

التالي السابق


1618 - ( وعنها ) أي : عن أم سلمة . ( قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مسلم تصيبه ) بالتأنيث وفي نسخة بالتذكير . ( مصيبة ) عظيمة أو صغيرة من أمر مكروه . ( فيقول : ما أمره الله به إنا ) بدل من ما أي : إن ذواتنا وجميع ما ينسب إلينا . ( لله ) ملكا وخلقا . ( وإنا إليه راجعون ) قال الطيبـي : فإن قلت : أين الأمر في الآية ؟ قلت : لما أمره بالبشارة وأطلقها ليعم كل مبشر به ، وأخرجه مخرج الخطاب ليعم كل أحد ، نبه على تفخيم الأمر ، وتعظيم شأن هذا القول ، فنبه بذلك على كون القول مطلوبا وليس الأمر إلا طلب الفعل ، وذلك أن قوله : إنا لله تسليم وإقرار ، بأنه وما يملكه وما ينسب إليه عارية مستردة ، ومنه البدء وإليه الرجوع والمنتهى ، وإذا وطن نفسه على ذلك وصبر على ما [ ص: 1167 ] أصابه ، سهلت عليه المصيبة ، وأما التلفظ بذلك مع الجزع فقبيح ، وسخط للقضاء اهـ . والأقرب أن كل ما مدح الله في كتابه من خصلة يتضمن الأمر بها كما أن المذمومة فيه تقتضي النهي عنها ، وأما قوله : التلفظ بذلك مع الجزع قبيح فمردود ; لأن ذلك من باب خلط العمل الصالح بالعمل السوء كالاستغفار مع الإصرار قال تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم . ( اللهم ) ظاهره أنه من جملة ما أمره الله به ، قال ابن حجر : وهو كذلك لقوله تعالى : ادعوني أستجب لكم وفيه أن المأمور به في الآية مطلق الدعاء ، وفي الحديث الدعاء الخاص ، فالأظهر أن حرف العطف محذوف . قالابن حجر : ويحتمل بل هو الظاهر أن الله تعالى أعلم - صلى الله عليه وسلم - أن يعلم أمته أنه أمرهم أن يقولوا ذلك كله بخصوصه ، وحينئذ فلا يحتاج إلى تكلف ما ذكر فيهما اهـ . والاحتمال مسلم والظاهر ممنوع . ( آجرني ) بسكون الهمز وضم الجيم وبالمد وكسر الجيم . ( في مصيبتي ) الظاهر أن في بمعنى باء السببية ، وأما قول ابن حجر : إنها بمعنى مع كما في قوله تعالى : ادخلوا في أمم فغير صحيح كما لا يخفى . قال الطيبـي : أجره يؤجره إذا أثابه وأعطاه الأجر ، وكذلك آجره يأجره اهـ . قال ابن حجر : بضم الجيم وكسرها يعني مجرده بالوجهين ، وهو كذلك في القاموس ، وكذلك قال الزين : آجره الله يأجره ويأجره أثابه وأعطاه الأجر لكن الكسر مع القصر غير موجود في النسخ . قال ميرك : روي بالمد وكسر الجيم ، وبالقصر وضمها ، ونقل القاضي عياض عن أكثر أهل اللغة أنه مقصور لا يمد ومعنى أجره الله أعطاه أجره وجزاء صبره اهـ . وقال ابن الملك : هو بهمز الوصل . قلت : هذا سهو منه ; لأن الهمزة الموجودة إنما هي فاء الفعل ، وهمزة الوصل سقطت في الدرج . ( واخلف لي خيرا منها ) أي : اجعل لي خلفا مما فات عني في هذه المصيبة . ( إلا أخلف الله له خيرا منها ) قاله الطيبـي ، قال النووي : هو بقطع الهمزة وكسر اللام يقال : لمن ذهب ما لا يتوقع حصول مثله بأن ذهب والده خلف الله عليك منه بغير ألف أي : كان الله خليفة منه عليك ، ويقال لمن ذهب له مال أو ولد أو ما يتوقع حصول مثله : أخلف الله عليك ، أي : رد الله عليك مثله . ( فلما مات أبو سلمة ) تعني زوجها : عبد الله بن عبد الأسد المخزومي توفي سنة أربع على الأصح لانتفاض جرحه الذي جرح بأحد ، وهو من السابقين الأولين ، أسلم بعد عشرة أنفس . ( قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ ) قال الطيبـي : تعجب من تنزيل قوله - صلى الله عليه وسلم - : إلا أخلف الله له خيرا منها على مصيبتها فيه تأييد لما قال أبو نعيم : إنه أول من هاجر إلى المدينة ، وذكره أصحاب المغازي فيمن هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، فهو أول من هاجر بالظعينة إلى أرض الحبشة ، ثم إلى المدينة ، وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، وابن عمته ، استعظاما لأبي سلمة اهـ . يعني على زعمها . ( أول بيت ) استئناف فيه بيان للتعجب وتعليل له ، والتقدير فإنه أول بيت أي : أول أهل بيت . ( هاجر ) أي : مع عياله . ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) - بناء على المتابعة . ( ثم أني قلتها ) أي : كلمة الاسترجاع ، والدعاء المذكور بعدها . ( فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) - أي : بأن جعلني زوجته ، وكان عوض خير لي من زوجي أبي سلمة . ( رواه مسلم ) وأبو داود ، والنسائي ، قاله ميرك .




الخدمات العلمية