الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1665 - وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ، ثم يقول : " أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " وأمر بدفنهم بدمائهم ، ولم يصل عليهم ، ولم يغسلوا . رواه البخاري .

التالي السابق


1665 - ( وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ) جمع قتيل . ( في ثوب واحد ) أي : من الكفن للضرورة ، ولا يلزم منه تلاقي بشرتهما ، إن يمكن حيلولتهما بنحو إذخر مع احتمال أن الثوب كان طويلا فأدرجا فيه ، ولم يفصل بينهما لكونهما في قبر واحد ، والله أعلم . قال الطيبي : أي : في واحد لا في ثوب واحد ، إذ لا يجوز تجريدهما بحيث تتلاقى بشرتهما ، بل ينبغي أن يكون على كل واحد منهما ثيابه المتلطخة بالدم وغير المتلطخة ، ولكن يضجع أحدهما بجنب الآخر في قبر واحد . قال الخطابي يجوز دفن ميتين فصاعدا في ثوب واحد عند الضرورة ، كفي قبر ، نقله ميرك عن الأزهار ، ثم الأظهر أن قوله : في ثوب واحد : حال ، أي : كان يجمع بين الرجلين حال كونهما أي : كل واحد منهما في ثوب واحد وهو ثوبه الذي لابسه من غير زيادة ، وأما جمعهما في قبر واحد مستفاد من قوله : ( ثم يقول : أيهم أكثر أخذا ) أي : حفظا أو قراءة ( للقرآن فإذا أشير إلى أحدهما قدمه ) أي : ذلك الأحد . ( في اللحد ) بفتح اللام ، وبضم وسكون الحاء أي : الشق في عرض القبر جانب القبلة ، فإن القرآن إمام لكل مسلم فيكون كذلك قارئه مستحق التقدم في الدنيا والأخرى ، والمراتب العليا في جنة المأوى . ( وقال ) أي : النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا شهيد ) أي : شاهد ومثن . ( على هؤلاء يوم القيامة ) قال المظهر : أي : أنا شفيع لهم ، وأشهد أنهم بذلوا أرواحهم في سبيل الله اهـ . وأشار إلى أن على بمعنى اللام . قال الطيبي : تعديته بعلى تدفع هذا المعنى ، ويمكن دفعه بالتضمين ، ومنه قوله تعالى : والله على كل شيء شهيد . ( كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ، فالمراد : أنا حفيظ عليهم ، أراقب أحوالهم وأصونهم عن المكاره اهـ . كذا ذكر الطيبـي وهو غير صحيح المعنى بالنسبة إلى القتلى كما لا يخفى . ( وأمر بدفنهم بدمائهم ) الباء الثانية للمصاحبة . ( ولم يصل عليهم ) في الأصول المعتمدة بكسر اللام وهو الظاهر من عطفه على أمر ، وأما قول ابن حجر : وفي رواية للبخاري أيضا بفتح اللام فالله أعلم بصحته . قال الطيبي : فعلم أن الشهيد لا يصلى عليه . قلت : هو معارض بما تقدم ، ورجح الصلاة إما لإثباتها ، أو للاحتياط فيها ، أو للرجوع إلى الأصل عن التساقط ، والله أعلم . قال : وأما صلاته عليه الصلاة والسلام على حمزة فلمزيد رأفته . قلت : إنما يتم هذا في الجملة لو كانت صلاته منحصرة في حمزة ، وإنما صلى على جميع الشهداء كما سبق ، ومزية حمزة لمزيد الرحمة أنه صلى عليه سبعين مرة ، وقد ثبت أنه أعاد الصلاة عليهم بأن صلى عليهم بعد ثمان سنين صلاته على الميت ، وكأنه كان توديعا لهم . وأما تأويل الصلاة بالدعاء فغير صحيح ; لقوله : صلاته على الميت فإنه لدفع إرادة المجاز ، فاندفع قول ابن حجر : تعين حمله على أنه دعا لهم كدعائه للميت باتفاق منا ، وهو واضح من المخالف إذ لا يصلى عند القبر عنده بعد ثلاثة أيام اهـ . فإنه محمول عندنا على خصوصياته صلى الله عليه وسلم . ( ولم يغسلوا ) هذا مما اتفق عليه العلماء ، ويوافقه خبر أحمد : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تغسيلهم ، وعلله بأن كل جرح أو كلم أو دم يفوح مسكا يوم القيامة ، وصح أن حنظلة قتل وهو جنب فلم يغسله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت الملائكة تغسله " فلو وجب غسله لما سقط إلا بفعلنا . ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية