الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1748 - وعن ابن عباس قال : ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت النساء ، وجعل عمر يضربهن بسوطه ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : مهلا ، ثم قال : إياكن ونعيق الشيطان . ثم قال : إنه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة ، وما كان من اليد ومن اللسان فمن الشيطان . رواه أحمد .

التالي السابق


1748 - ( وعن ابن عباس قال : ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت النساء ، وجعل عمر يضربهن بسوطه ، فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : عنهن . ( بيده ) وفيه إشعار أنه لا يجوز الضرب على النياحة ، بل ينبغي النصيحة ; ولذا أخره . ( وقال : مهلا ) بسكون الهاء ، أي : أمهلهن مهلا ، أو أعطهن مهلا . قال السيد : مهلا مصدر عامله محذوف كذا في الطيبـي . وقال في النهاية : وفي حديث علي كرم الله وجهه : إذا سرتم إلى العدو فمهلا مهلا ، فإذا وقعت العين على العين فمهلا مهلا ، الساكن الرفق ، والمتحرك التقدم ، أي : إذا سرتم فتأنوا ، وإذا لقيتم فاحملوا . قال الجوهري : المهل بالتحريك التؤدة والتباطؤ ، يقال : مهلته وأمهلته ، أي : سكنته وأخرته ، ومهلا يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع ، والمذكر والمؤنث اهـ . وفي القاموس : المهل ويحرك ، والمهلة بالضم : السكينة والرفق اهـ . وبه يتبين أن المهل فيه لغتان ، السكون وهو الأصل ، وأشار إليه في القاموس بقوله : ويحرك ، وكان صاحب النهاية اقتصر على السكون نظرا إلى رواية الحديث ، فاقتصار ابن حجر على التحريك مخالف للرواية والدراية . ( يا عمر ) والمعنى : لا تبادر حتى يتبين لهن الحكم ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ( ثم قال : إياكن ونعيق الشيطان ) أي : صياحه بالنياحة ، وأضيف إليه لحمله من نعق الراعي بغنمه دعاها لتعود إليه ، ومنه قوله تعالى : كمثل الذي ينعق . ( ثم قال ) أي : النبي صلى الله عليه وسلم مبينا له أتم البيان . ( إنه ) أي : الشأن . ( مهما كان ) في القاموس : مهما بسيط لا مركب من ( مه ) و ( ما ) لا من ( ما ما ) خلافا لزاعميهما اهـ . واختلف في أنها اسم شرط ، أو حرف شرط ، وهو في هذا المقام ظرف لفعل الشرط ، أي : مهما كان البكاء . ( من العين ) أي : من الدمع . ( ومن القلب ) أي : من الحزن من الله عز وجل أي : محمود مرضي من جهته ، وصادر من خلقته . ( ومن الرحمة ) أي : وناشئ من رحمة صاحبه . ( وما كان ) ما شرطية أيضا . ( من اليد ) كالضرب على الخد ، وقطع الثوب ، ونتف الشعر . ( ومن اللسان ) أي : بطريق الصياح ، وعلى وجه النياح ، أو يقول مما لا يرضى به الرب . ( فمن الشيطان ) أي : من إغوائه أو برضائه . قال الطيبي : مهما ) حرف الشرط تقول : مهما تفعل أفعل ، قيل : إن أصلها . ( ما ما فقلبت الألف الأولى هاء ، ومحله رفع بمعنى أيما شيء كان من العين فمن الله ، فإن قلت : نسبة الدمع إلى العين ، والقول إلى اللسان ، والضرب باليد ، إن كان بطريق الكسب فالكل يصح من العبد ، وإن كان من طريق التقدير فمن الله ، فما وجه اختصاص البكاء بالله ؟ قلت : الغالب في البكاء أن يكون محمودا ، فالأدب أن يسند إلى الله تعالى ، بخلاف قول الخنا ، والضرب باليد عن المصيبات ، فإن ذلك مذموم اهـ .

وتبعه ابن حجر . قال ميرك : ولعل إسناد البكاء إلى الله تعالى لأجل أن الله راض به ، ولا يؤاخذ به بخلاف ما صدر من اللسان واليد عند المصيبة ، فإن الشيطان راض بهما ، والرحمن يؤاخذ بهما ، وليس في الحديث إسناد ما صدر منهما للعبد حتى يقال : إن كان بطريق الكسب فالكل من العبد ، وإن كان بطريق التقدير فالكل من الله تعالى تأمل اهـ . وهي مناقشة لطيفة ، ومجادلة شريفة ، وبيانها أن ترديد الطيبـي ليس على الطريق العرفي ، فإنه لا مرية أن الكل بتقدير الله تعالى أولا ، وبكسب العبد ثانيا ، فمحل السؤال ، ومورد الإشكال أنه كيف نسب بعضها إلى الرحمن ، وبعضها إلى الشيطان ، فيجاب أن بعضها مباح أو محمود ، فينسب إلى الله لإباحته به ، أو لرضاه فيترتب عليه الثواب ، وبعضها معصية فينسب إلى الشيطان ، حيث تسبب بالإغواء ، وحصل له به الرضا ، فيستوجب عليه العذاب ، هذا وقد يقال : دمع العين ، وحزن القلب ، ليسا من الأفعال الاختيارية ، فلا إشكال في نسبتهما إلى الصفات الألوهية ، والله أعلم بالحقائق الحديثية . ( رواه أحمد ) .




الخدمات العلمية