الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1787 - وعن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول " . رواه الترمذي وذكر جماعة أنهم وقفوه على ابن عمر .

التالي السابق


1787 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من استفاد مالا ) أي وجده وحصله واكتسبه ابتداء ( فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول ) قال ابن الملك : يعني من وجد مالا وعنده نصاب من ذلك الجنس مثل أن يكون له ثمانون شاة ومضى عليها ستة أشهر ثم حصل له أحد وأربعون شاة بالشراء أو بالإرث أو غير ذلك ، لا يجب عليه للأحد والأربعين حتى يتم حولها من وقت الشراء ، أو الإرث لأن المستفاد لا يكون تبعا للمال الموجود ، وبه قال الشافعي وأحمد ، وعند أبي حنيفة ومالك يكون المستفاد تبعا له ، فإذا تم الحول على الثمانين وجب الشاتان ، يعني كما في الكل ، كما وجب عليه النتاج تبعا للإمهات ( رواه الترمذي وذكر ) أي سمى الترمذي ( جماعة ) أي بأسمائهم ( أنهم ) بدل اشتمال أي ذكر أن الجماعة عددهم ( وقفوه ) أي هذا الحديث ( على ابن عمر ) أي لم يرفعه ابن عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في المتن ، كما وقفه وقال : من استفاد مالا إلخ ، وفي المصابيح الوقف على ابن عمر أصح ، قال ميرك : حديث أبي عمر من استفاد مالا إلخ رواه الترمذي مرفوعا من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر ، قال : وروي موقوفا من غير طريق عبد الرحمن بن زيد على ابن عمر ، والموقوف أصح ، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف في الحديث ، ضعفه أحمد بن حنبل ، وابن المديني ، وغيرهما ، وهو كثير الغلط ، هكذا عبارة الترمذي ، والذي نقل عنه المصنف ليس فيه ، تأمل . اهـ ، وأما قول ابن حجر عند قوله : وقفوه : لكن القاعدة الحديثة الأصولية أن الحكم لمن رفع ; لأن معه زيادة علم تقوي من وصله ، وأن الحكم له فمحله إذا كان الطريقان صحيحين ، أو حسنين ، والحديث ليس كذلك ، وأما قوله ولذا اعتمده الأئمة وجعلوا الدليل لما اتفقوا عليه أن الحول فيما ذكر شرط لوجوب الزكاة ، فمتى خرج عن ملكه ، وإن عاد فورا بطل الحول الأول ، ويستأنف حولا آخر ، وحينئذ فهو خارج عن معنى الحديث ، فتأمل ، قال ابن الهمام : روى مالك والنسائي عن نافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول " ، وأخرج أبو داود عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي - كرم الله وجهه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كانت لك مائتا درهم ، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم " ، وساق الحديث ، وفيه بعد قوله " ففيها نصف دينار " : فما زاد فبحساب ذلك ، فلا أدري أعلي يقول فبحساب أو رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ، والحارث وإن كان مضعفا لكن عاصم ثقة وقد روى الثقة أنه رفعه معه فوجب قبول رفعه ورد تصحيح وقفه ، وروي هذا المعنى من حديث ابن عمر ، ومن حديث أنس وعائشة - رضي الله عنهم - ثم قال : قال الشافعي : لا يضم المستفاد ، بل يعتبر فيه حول على حدته ، فإذا تم الحول زكاه سواء كان نصابا أو أقل ، بعد أن يكون عنده نصاب من جنسه ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " من استفاد " : الحديث [ ص: 1275 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ، بخلاف الأولاد ، والأرباح لأنها متولدة من الأصل نفسه ، فينسحب حوله عليها ، وما نحن فيه ليس كذلك ، قلنا : لو قدر تسليم ثبوته فعمومه ليس مرادا للاتفاق على خروج الأولاد والأرباح ، ودليل الخصوص مما يعلل ، ويخرج بالتعليل ثانيا ، فعللنا بالمجانسة ، فقلنا : إخراج الأولاد والأرباح من ذلك في وجوب ضمها إلى حول الأصل لمجانستها إياه ، لا للتولد ، فيجب أن يخرج المستفاد إذا كان مجانسا أيضا ، فيضم إلى ما عنده بما يجانسه ، فكان اعتبارنا أولى لأنه أدفع للحرج اللازم على تقدير قوله في أصحاب الغلة الذين يستغلون كل يوم درهما ، أو أقل ، أو أكثر ، فإن في اعتبار الحول لكل مستفاد من درهم ونحوه حرجا عظيما ، وشرع الحول للتيسير ، فيسقط اعتباره ، وعلى هذه لا حاجة إلى جعل اللام في الحول للحول المعهود قيامه للأصل كما في النهاية ، بل يكون للمعهود كونه اثني عشر شهرا ، كما قاله الشافعي ، غير أنه خص منه ما ذكرنا ، وهذا لأنه يعم المستفاد ابتداء ، وهو النصاب الأصلي ، أعني أول ما استفاده ، وغيره ، والتخصيص وقع في غيره ، وهو المجانس ، وبقي تحت العموم الأصلي الذي لم يجانس ولا يصدق في الأصل إلا إذا كان الحول مراد به المعهود المقدر .




الخدمات العلمية