الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1850 - وعن حبشي بن جنادة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي إلا لذي فقر مدقع ، أو غرم مفظع ، ومن سأل الناس ليثري به ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة ، ورضفا يأكله من جهنم ، فمن شاء فليقل ، ومن شاء فليكثر " . رواه الترمذي .

التالي السابق


1850 - ( وعن حبشي ) بضم الحاء وسكون الموحدة ( ابن جنادة ) بضم الجيم ، قال الطيبي : هو أبو الجنوب من بني بكر بن هوازن ، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، وله صحبة ، وعدوه في أهل الكوفة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن المسألة لا تحل لغني " أي ما يكفيه ليومه " ولا لذي مرة " بكسر الميم ، أي : قوة بأن لا يكون به علة " سوي " أي : صحيح سليم الأعضاء على الكسب " إلا لذي فقر " استثناء من الأخير " مدقع " أي : شديد من أدقع لصق بالدقعاء وهو التراب " أو غرم " بضم الغين أي : دين " مفظع " أي : شنيع مثقال ، قال الطيبي - رحمه الله - : المراد ما استدان لنفسه وعياله في مبلغ ، وقال ابن حجر : أو المعصية وصرفه في مباح ، أو تاب اهـ ، ويمكن أن يكون المراد به ما لزمه من الغرامة بنحو دية وكفارة " ومن سأل الناس " أي : واحدا منهم " ليثري " من الإثراء " به " أي : بسبب السؤال وبالمأخوذ " ماله " بفتح اللام ورفعه أي : ليكثر ماله ، من أثرى الرجل إذا كثرت أمواله ، كذا قاله بعض الشراح ، وفي النهاية الثرى المال وأثرى القوم كثروا وكثرت أموالهم ، وفي القاموس الثروة كثرة العدد من الناس والمال ، وثري القوم كثروا ونموا والمال كذلك وثري كرضي كثر ماله كأثرى ، إذا عرفت ذلك فاعلم أن في أكثر النسخ : ماله بفتح اللام وهو خلاف ما عليه أهل اللغة من أن أثرى لازم فيتعين رفعه ، اللهم إلا أن يقال : ما موصولة وله جار ومجرور ، وفي بعض النسخ ليثري بالتشديد من باب التفعيل ، وهو يحتمل اللزوم كأثرى ، ويحتمل التعدية على القياس وإن لم يكن مسموعا والله أعلم " كان " أي : السؤال أو المال " خموشا " بالضم أي : عبسا " في وجهه يوم القيامة " أي : على رءوس الأشهاد " ورضفا " بفتح فسكون أي : حجرا محميا " يأكله من جهنم " أي : فيها ، قيل : المراد به التحريق والتعذيب على وجه التحقيق ، ولعل الخمش عذاب لوجهه لتوجهه إلى غيره - تعالى - بغير إذنه ، وأكل الحجر عذاب للسانه وفمه في السؤال من المخلوق المتضمن للشكاية من مولاه - تعالى ، ولذا ورد : كاد الفقر أن يكون كفرا " فمن شاء فليقل " أي : هذا السؤال أو ما يترتب عليه من النكال " ومن شاء فليكثر " وهما أمر تهديد نظيره قوله - تعالى - فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا ( رواه الترمذي ) .




الخدمات العلمية