الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1882 - وعن أبي ذر أنه استأذن على عثمان فأذن له وبيده عصاه فقال عثمان : يا كعب إن عبد الرحمن توفي وترك مالا فما ترى فيه ؟ فقال : إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس عليه ، فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا وقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل مني أذر خلفي منه ست أواقي " أنشدك بالله يا عثمان أسمعته ؟ ثلاث مرات ، قال : نعم . رواه أحمد .

التالي السابق


1882 - ( وعن أبي ذر أنه استأذن على عثمان ) أي : للدخول ( فأذن له وبيده عصاه ) الواو للحال والضمير لأبي ذر ( فقال عثمان : يا كعب ) أي : كعب الأحبار ( إن عبد الرحمن ) أي : ابن عوف ( توفي وترك مالا ) أي : كثيرا بحيث جاء ربع ثمنه ثمانين ألف دينار ( فما ترى فيه ؟ ) أي : فما تقول في حق المال أو صاحبه ؟ وهو الأظهر ، والمعنى هل تضر كثرة ماله في نقص كماله ؟ ( فقال ) أي : كعب ( إن كان ) شرطية ويحتمل أن تكون مخففة ( يصل فيه ) أي : ماله ووقع في أصل ابن حجر فيها فقال : أي : في الأموال التي تركها ( حق الله فلا بأس عليه ) أي : لا كراهة فيه ولا نقص له ( فرفع أبو ذر عصاه فضرب ) أي : بها ( كعبا ) ضرب تأديب حملا على التهذيب ، قال الطيبي : فإن قيل كيف يضربه وقد علم أنه ليس بكنز بعد إخراج حق الله منه ، أجيب بأنه إنما ضربه لأنه نفى البأس بالكلية وليس كذلك ، فإنه يحاسب ويدخل الجنة بعد فقراء المهاجرين أي : بخمسمائة سنة ، وحاصله أن المقام الأعلى هو صرف المال في مرضاة المولى كما هو طريق أكثر الأنبياء والأصفياء ، إلا أن فيه إشكالا وهو أن كعبا أشار إلى هذا المعنى إجمالا بقوله لا بأس فإنه لا يستعمل إلا في الرخصة دون العزيمة ، ومع هذا لا يظهر وجه الإهانة لا سيما في حضرة الخليفة ، ولعل أبا ذر غلت عليه الجذبة المؤدية إلى الضربة ، وقد يجاب بأنه أراد بلا بأس نفي الحرمة أو الكراهة كما هو اصطلاح الشافعية ، والأول أظهر ، ولعل هذا الفعل وأمثاله مما صدر عنه في جذبه حالة أمر عثمان بعد ذلك بإخراجه من المدينة إلى ربزة حتى توفي بها - رضي الله عنهما - ( وقال ) أي : أبو ذر ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما أحب لو أن لي هذا الجبل " ) لعله جبل أحد أو غيره أو أراد الجنس " ذهبا أنفقه " حال " ويتقبل مني أذر " مفعول أحب على حذف أن ورفع الفعل ؛ قاله الطيبي أي : أحب أن أترك " خلفي منه ست أواقي " بتشديد الياء ويجوز تخفيفها وحذفها ، ولعله : أحب أن أترك أقل من هذا المقدار للتجهيز والتكفين أو لدين غائب " أنشدك بالله " أي : أقسم به عليك ( يا عثمان أسمعته ) أي : هذا الحديث ( ثلاث مرات ) ظرف لأنشدك أو لأسمعته ( قال : نعم ) وحاصله أن أبا ذر كان قائلا بأن الفقير الصابر أفضل ، على ما عليه الجمهور خلافا لمن قال : إن الغني الشاكر هو الأفضل ، وأدلة الأولين أظهر والتسليم أسلم ، والله أعلم ( رواه أحمد ) وكان قياس دأب المصنف أن يجمع بين الحديثين بقوله رواهما أحمد .




الخدمات العلمية