الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2023 - وعن ابن عباس قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان

ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس فأفطر حتى قدم مكة ، وذلك في رمضان ، فكان ابن عباس يقول : قد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفطر ، فمن شاء صام ، ومن شاء أفطر
، متفق عليه 2024 - وفي رواية لمسلم عن جابر أنه شرب بعد العصر .

التالي السابق


2023 - ( وعن ابن عباس قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة ) أي : عام الفتح ( فصام حتى بلغ عسفان ) بضم العين وسكون السين المهملتين اسم موضع قريب من المدينة ذكره ابن الملك ، وهو سهو قلم أو خطأ قدم ، والصواب أنه موضع على مرحلتين من مكة ( ثم دعا بماء ) أي : طلبه ( فرفعه إلى يده ) الجار والمجرور [ ص: 1403 ] حال أي : رفع الماء منتهيا إلى أقصى مد يده ، قال الزركشي : كذا لأكثرهم ، وعند ابن السكن إلى فيه ، وهو الأظهر إلا أن إلى في رواية الأكثرين بمعنى على فيستقيم الكلام اهـ . وبه بطل قول بعضهم : الصواب في رواية أبي داود " فرفعه إلى فيه " وإن ذكر يده ليروه ويقتدوا به ، لكن قال الرضي وغيره : التحقيق أنها في هذه الثلاثة لانتهاء الغاية كما هو الأصل وهو الأصل ، ولذا اخترناه كما أشرنا إليه ، والمعنى : فرفعه رفعا بليغا منتهيا إلى رفع يده ، قال الطيبي : التضمين أي انتهى الرفع إلى أقصى غايتها ، ويمكن أن يكون بمعنى في الظرفية كقوله - تعالى - ليجمعنكم إلى يوم القيامة أي : فرفعه حال كونه في يده ( ليراه الناس ) أي : وليعلموا جوازه أو ليختاروا متابعته ( فأفطر ) قال الطيبي : دل على أن من أصبح صائما في السفر جاز أن يفطر اهـ . وتبعه ابن حجر ، وقال فيه أظهر ولعل ذا مؤول ليس فيه دلالة ما على أنه كان صائما ذلك اليوم مطلقا بل المعنى أنه صام من المدينة إلى عسفان فأفطر أي منه واستمر مفطرا ( حتى قدم مكة ) وهو إما لبيان الجواز أو لحصول عذر حادث وهو التهيؤ للقتال إن احتيج إليه في الاستقبال ، والله أعلم بالحال ( وذلك ) أي : ما ذكر من الصوم والإفطار كان ( في رمضان ، فكان ابن عباس يقول : قد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفطر ) يعني في رمضان سنة ثمان حال السفر ( فمن شاء صام ومن شاء أفطر ) أي : لا حرج على أحدهما ، في شرح السنة : لا فرق عند عامة أهل العلم بين من ينشئ السفر في شهر رمضان وبين من يدخل عليه شهر رمضان وهو مسافر ، وقال عبيدة السلماني : إذا أنشأ السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار لظاهر قوله - تعالى - فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا الحديث حجة على القائل ، ومعنى الآية الشهر كله ، فأما من شهد بعضه فلم يشهد الشهر اهـ . والأظهر أن معنى الآية فمن شهد منكم شيئا منه من غير مرض وسفر ، واختلف أي يوم خرج - صلى الله عليه وسلم - للفتح ، فقيل : لعشر خلون من رمضان بعد العصر ، وقيل : لليلتين خلتا من رمضان ، وهو الأصح ( متفق عليه ) . 2024 - ( وفي رواية لمسلم عن جابر أنه ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( شرب بعد العصر ) يعني على الوصف المتقدم من رفع الماء إلى يده ليعلم الناس أن الإفطار في السفر جائز ، وهذا أقرب في الدلالة على ما قال الطيبي مع أنه ليس نصا في المقصود كما لا يخفى .




الخدمات العلمية