الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2124 - وعن ابن عباس قال : بينما جبريل - عليه السلام - قاعدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال : " هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم " فنزل منه ملك فقال : " هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم فقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته " رواه مسلم .

التالي السابق


2124 - ( وعن ابن عباس قال : بينما جبريل - عليه الصلاة والسلام - قاعدا ) وفي نسخة بالرفع وهو الظاهر وهو كذلك في أصل الحصن ولعل نصبه على تقدير كان ( عند النبي صلى الله عليه وسلم ) قال ابن الملك تبعا للطيبي : أي بين أوقات وحالات هو عنده - صلى الله عليه وسلم - وقال ميرك : بينا وبينما وبين معناها الوسط ، وبين ظرف إما للمكان كقولك : جلست بين القوم وبين الدار ، أو للزمان كما هنا ، أي الزمان الذي كان جبريل قاعدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ( سمع ) وفي نسخة : إذ سمع ، أي جبريل ( نقيضا ) ، أي صوتا شديدا كصوت نقض خشب البناء عند كسره ، وقيل : صوتا مثل صوت الباب ( من فوقه ) ، أي مع جهة السماء أو من قبل رأسه ( فرفع ) ، أي جبريل ( رأسه فقال ) ، أي جبريل ، قال الطيبي : الضمائر الثلاثة في جمع ورفع وقال راجعة إلى جبريل لأنه أكثر إطلاعا على أحوال السماء ، وقيل : للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل : إلا ولأن راجعان للنبي - صلى الله عليه وسلم - والضمير في قال لجبريل - عليه الصلاة والسلام - لأنه حضر عنده للإخبار عن أمر غريب ووقف عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن حجر : هو المختار واختاره غير واحد ( هذا ) ، أي هذا الصوت ( باب ) ، أي صوت باب ( من السماء ) ، أي من سماء الدنيا ( فتح اليوم ) ، أي الآن ( لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك ) هذا من قول الراوي في حكايته لحال سمعه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بلغه منه ( فقال ) ، أي جبريل أو النبي - صلى الله عليه وسلم - ( هذا ) ، أي النازل ( ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم ) ، أي الملك ( على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ) وفي نسخة صحيحة : وقال ، أي الملك ( أبشر ) بفتح الهمزة وكسر الشين أي افرح ( بنورين ) سماهما نورين لأن كل واحدة منهما نور يسعى بين يدي صاحبهما أو لأنهما يرشدان إلى الصراط المستقيم بالتأمل فيه والتفكر في معانيه ، أي بما في آيتين منورتين ( أوتيتهما لم يؤتهما ) بصيغة المجهول ، أي يعطهما ( نبي قبلك فاتحة الكتاب ) بالجر وجوز الوجهان الآخران ( وخواتيم سورة البقرة ) قال ميرك : كذا وقع في جميع النسخ الحاضرة المقرأة عند الشيخ ، وكذا في أصل مسلم والنسائي والحاكم ، وفي نسخة : وآخر سورة البقرة اهـ والمراد " آمن الرسول " كذا قيل وتبعه ابن حجر ، والأظهر بصيغة الجمع أن يكون من قوله " لله ما في السماوات وما في الأرض " ثم رأيت ابن حجر قال : فما لم تنزل على أحد من الأنبياء آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة ، وأول تلك الخواتيم آمن الرسول وروي عن كعب أولها " لله ما في السماوات " ( لن تقرأ ) الخطاب له - عليه الصلاة والسلام - والمراد هو وأمته إذ الأصل مشاركتهم له في كل ما أنزل عليه إلا ما اختص به ( بحرف منهما ) ، أي بكل حرف من الفاتحة والخواتيم ، قال التوربشتي : الباء زائدة يقال : أخذت بزمام الناقة وأخذت زمامها ، ويجوز أن [ ص: 1465 ] يكون لإلصاق القراءة به وأراد بالحرف الطرف منها فإن حرف الشيء طرفه وكنى به عن جملة مستقلة وقوله ( إلا أعطيته ) حال والمستثنى منه مقدر ، أي مستعينا بهما على قضاء ما يسخ من الحوائج إلا أعطيته ، أي أعطيت ما اشتملت عليه تلك الجملة من المسألة كقوله " اهدنا الصراط المستقيم " كقوله " غفرانك ربنا " ونظائر ذلك في غير المسألة فيما هو حمد وثناء أعطيت ثوابه ، قال ميرك : ويمكن أن يراد بالحرف حرف التهجي ومعنى قوله أعطيته حينئذ أعطيت ما تسأل من حوائجك الدنيوية والأخروية ( رواه مسلم ) ورواه النسائي والحاكم وقال : صحيح ، قال ابن حجر : والظاهر أن مستند ابن عباس في حكاية ذلك التوقيف منه - عليه الصلاة والسلام - وحذفه الإسناد لوضوحه ، ويحتمل أن الله كشف الحال وتمثل له جبريل حتى رآه ورفع الرأس فرأى الملك النازل من السماء كما تمثل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمع ذلك النقيض والقول اهـ ولا يخفى بعد الثاني .




الخدمات العلمية