الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2176 - وعن خالد بن معدان قال : اقرءوا المنجية وهي الم تنزيل ، فإنه بلغني أن رجلا كان يقرؤها ما يقرأ شيئا غيرها ، وكان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه ، قالت : رب اغفر له فإنه كان يكثر قراءتي ، فشفعها الرب - تعالى - فيه وقال : اكتبوا له بكل خطيئة حسنة وارفعوا له درجة ، وقال أيضا : إنها تجادل عن صاحبها في القبر تقول : اللهم إن كنت من كتابك فشفعني فيه ، وإن لم أكن من كتابك فامحني عنه ، وإنها تكون كالطير تجعل جناحها عليه فتشفع له فتمنعه من عذاب القبر ، وقال في تبارك مثلها ، وكان خاله لا يبيت حتى يقرأهما ، وقال طاووس : فضلتا على كل سورة في القرآن بستين حسنة . رواه الدارمي .

التالي السابق


2176 - ( وعن خالد بن معدان ) تقدم أنه تابعي ( قال : اقرءوا ) ، أي في أول الليل كما يشعر به آخر الحديث ( المنجية ) ، أي من عذاب القبر وعقاب الحشر ( وهي الم تنزيل فإنه ) ، أي الشأن ( بلغني ) ، أي عن الصحابة فإنه لقي سبعين منهم فيكون في حكم المرفوع على قول ، وهو حجة في الجملة عند الجمهور ، ويعمل به في فضائل الأعمال عند الكل ، ووهم ابن حجر فظن أن خالد بن معدان من الصحابة وليس كذلك ، ومع هذا اعترض على الطيبي في كلامه الآتي ( أن رجلا ) ، أي من هذه الأمة قال الطيبي : قوله " قال " يشعر بأن الحديث موقوف عليه ، فقوله اقرءوا يحتمل أن يكون من كلام الرسول ، وقوله فإنه بلغني أن رجلا إلخ إخبار منه - عليه الصلاة والسلام - كما أخبر في قوله إن سورة في القرآن شفعت لرجل ، وأن يكون من كلام الراوي ( كان يقرؤها ) ، أي يجعلها وردا له ( ما يقرأ شيئا غيرها ) ، أي لم يجعل لنفسه وردا غيرها ، وقال ابن حجر : يحتمل أن يكون المراد أنه لم يحفظ مما عدا الفاتحة غيرها ، ولا يخفى أنه بعيد جدا ( وكان كثير الخطايا فنشرت ) ، أي بعدما تصورت السورة أو ثوابها على صورة طير ( جناحها عليه ) ، أي لتظله أو جناح رحمتها على الرجل القارئ حماية له ( قالت ) بلسان القائل أو ببيان الحال وهو بدل بعض أو اشتمال من نشرت لأن النشر مشتمل على الشفاعة الحاصلة بقولها ( رب اغفر له فإنه كان يكثر قراءتي فشفعها ) بالتشديد ، أي قبل شفاعتها ( الرب - تعالى - فيه ) ، أي في حقه ( وقال ) ، أي الرب ( اكتبوا له بكل خطيئة ) ، أي بدلها ( حسنة ) ، أي فضلا وإحسانا وكرما وامتنانا ، وقال الطيبي بقوله - تعالى - فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وفيه أن أولئك هم التائبون ، لقوله - تعالى - إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله الآية ( وارفعوا له درجة ، وقال ) ، أي خالد ( أيضا ) ، أي مثل قوله الأول موقوفا ( إنها ) ، أي السورة الم تنزيل ( تجادل عن صاحبها ) ، أي من يكثر قراءتها ( في القبر ) ، أي الشفاعة في تسديد سؤاله وتخفيف عذابه ، أو رفعه أو توسيع قبره وتنويره ، ونحو ذلك ( تقول ) بيان المجادلة ، وهذه المجادلة ونشر الجناح على قارئها كالمحاجة والتظليل المذكور في الزهراوين ( اللهم إن كنت ) ، أي إذا كنت ( من كتابك ) ، أي القرآن المكتوب في اللوح المحفوظ ( فشفعني ) بالتشديد ، أي فاقبل شفاعتي ( فيه ) ، أي في حقه ( وإن لم أكن في كتابك ) ، أي على الفرض والتقدير ( فامحني ) بضم الحاء ( عنه ) ، أي عن كتابك أو عن صدره فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب ، قال ابن حجر : ونظير ذلك تدلل بعض خواص الملك عليه بقوله إن كنت عبدك فشفعني في كذا ، وإلا فبعني ، وقال الطيبي : هو كما يقول الأب لابنه الذي لم يراع حقه : إن كنت لك أبا فراع حقي ، وإن لم أكن لك أبا فلن تراعي حقي اهـ ومراده أن المراعاة لازمة واقعة البتة ، فلا ترديد في الحقيقة ، ولما كانت مراعاة حق الأب ألزم من مرعاة الابن لم يقل كما يقول الابن لأبيه مع أنه كان أظهر في المناسبة وأبين في المشابهة ، وبهذا يتبين لك أن تنظير الطيبي أحسن وأبلغ بما نظره ابن حجر ، ثم تبجح وقال في تنظيره : هذا أولى مما نظر به شارح كما يعرف بالتأمل ، فتأمل ( وإنها ) ، أي وقال خالد : إنها ( تكون ) ، أي في القبر ( كالطير ) ، أي كما إنها في الموقف كذلك الذي مر أولا ، ولعل تقديمه لتعظيمه ( تجعل جناحها عليه ) حماية له ، وقول ابن حجر : هنا لتظنه في غير محله لأن مقامه في الموقف في الجملة ( تشفع له فتمنعه من عذاب القبر ، وقال ) ، أي خالد ( في تبارك ) ، أي في فضيلة سورته ( مثله ) ، أي مثل ما قال في سورة السجدة ( وكان خالد لا يبيت ) ، أي لا يرقد ( حتى يقرأهما ، وقال طاووس ) وهو من أكابر التابعين ( فضلتا ) بالتشديد ، أي السجدة والملك ( على كل سورة في القرآن بستين حسنة ) وهو لا ينافي الخبر الصحيح أن البقرة أفضل سور القرآن بعد الفاتحة ; إذ قد يكون في المفضول مزية لا توجد في الفاضل ، أو له خصوصية بزمان أو حال كما لا يخفى على أرباب الكمال ، أما ترى أن قراءة سبح والكافرون والإخلاص في الوتر أفضل من غيرها ، وكذا سورة السجدة والدهر بخصوص فجر الجمعة أفضل من غيرهما ، فلا يحتاج في الجواب إلى ما قاله ابن حجر : إن ذاك حديث صحيح ، وهذا ليس كذلك ( رواه الدارمي ) ، أي موقوفا ، ولكنه في حكم المرفوع المرسل فإن مثله لا يقال من قبل الرأي .

[ ص: 1491 ]



الخدمات العلمية