الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2239 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة ، وما سئل الله شيئا - يعني أحب إليه - من أن يسأل العافية " ( رواه الترمذي ) .

التالي السابق


2239 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من فتح له منكم باب الدعاء " : أي بأن وفق لأن يدعو الله كثيرا مع وجود شرائطه وحصول آدابه " فتحت له أبواب الرحمة : يحتمل أن يكون دعاء وإخبارا ، وعلى الثاني يحتمل أن يكون الثاني جزاء للأول ، وأن يكون الأول علامة للثاني ، والمعنى : أن يجاب لمسئوله تارة ، ويدفع عنه مثله من السوء أخرى ، كما في بعض الروايات فتحت له أبواب الإجابة . وفي بعضها : فتحت له أبواب الجنة ، أي : نعمها الدنيوية والأخروية . " وما سئل الله شيئا - يعني أحب إليه - " قال الطيبي : " أحب إليه " تقييد للمطلق بـ " يعني " ، وفي الحقيقة صفة " شيئا " ا . هـ . ولا معنى لقوله ( يعني ) هنا ؛ لأنه لا يذكر إلا في كلام تام مفيد يحتاج إلى تقييد في اللفظ ، أو تفسير في المعنى ، وهنا لا يتم الكلام إلا بما بعده : وهو أحب ، كما هو الظاهر ، ويؤيده ما قلنا أن لفظ ( يعني ) غير موجود في أكثر كتب الحديث ، كالحصن وغيره ، فقيل : " شيئا " مفعول مطلق ، " وأحب إليه " صفته وأن في قوله : " من أن يسأل العافية " مصدرية ، والمعنى ما سئل الله سؤالا أحب إليه من سؤال العافية ، ويجوز أن يكون " شيئا " مفعولا به أي : ما سئل الله مسئولا أحب إليه من العافية ، وزيد أن يسأل اهتماما بشأن المسئول وللإيذان بأن الأحب إليه سؤال العافية لا ذاتها ، هذا خلاصة كلام الطيبي .

وتبعه ابن حجر وزاد عليه بقوله : لأنها من صفات المحدثات ، وفي تعليله نظر ؛ لأن الظاهر أن السؤال أحب ، فإنه متضمن للافتقار والعبودية ، وظهور كمال الربوبية ، ولذا خلق الله المحن والبلايا الظاهرية والباطنية ، ولو كانت العافية نفسها أحب إليه لما خلق أضدادها .

قال الطيبي : وأصل الكلام : ما سئل الله شيئا أحب إليه من العافية ، فأقحم المفسر لفظ أن يسأل اعتناء اهـ . وقوله : فأقحم المفسر ، فيظهر منه أن يسأل ليس من كلام النبوة ولم يظهر له وجه لما قدمناه ، وإنما هو من كلام بعض الرواة ، وغاية توجيهه أن ما بعد يعني يكون نقلا بالمعنى .

وقال ابن حجر : وقدم ( يعني ) على محلها ففصل به بين " شيئا " وصفته ، والأصل ، وما سئل الله شيئا أحب إليه . يعني من أن يسأل العافية ، لأن الأول أظهر في التفسير ؛ لأن وقوعه بين الصفة والموصوف قرينة ظاهرة على أنها مفسرة ، لما يصلح للتفسير من جملة ما في خبرها [ ص: 1531 ] قلت : مع قطع النظر عن المناقشة في العبارة يدل على أن ( من أن يسأل العافية ) ليس من كلام النبوة ، وليس كذلك ، فإن الكلام بدونه لا يتم ولا يصح الاقتصار على ما قبله ، ثم اتفق الشراح أن المراد بالعافية الصحة ، وهذه عبارة الطيبي ، وإنما كانت العافية أحب لأنها لفظة جامعة لخير الدارين من الصحة في الدنيا والسلامة فيها وفي الآخرة ؛ لأن العافية أن يسلم من الأسقام والبلايا ، وهي الصحة عند المرض وهو كذلك في نفوس العامة ، والحال أنه ليس على ظاهره ، بل التحقيق أن المراد بالعافية السلامة من البلاء في أمر الدين ، سواء يكون معه صحة البدن أم لا .

قال ابن عطاء الله : دخل علي سيدي الشيخ أبو العباس المرسي ، وكان به ألم فقال ذلك الرجل : عافاك الله يا سيدي فسكت ولم يجاوبه ، ثم أعاد الكلام ، فقال : أنا ما سألت الله العافية ، قد سألته العافية ، والذي أنا فيه هو العافية ، وقد سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العافية وقال : " ما زالت أكلة خيبر تعاودني فالآن قطعت أبهري " ، وأبو بكر سأل العافية ومات مسموما ، وعمر سأل العافية ومات مطعونا ، وعثمان سأل العافية ومات مذبوحا ، وعلي سأل العافية ومات مقتولا ، فإذا سألت الله العافية فسله العافية من حيث يعلم أنها لك عافية اهـ .

ونقل عن الشبلي أنه متى رأى واحدا من أبناء الدنيا قال : أسأل الله العافية ، والصواب أن يقال : العافية دفع العفاء وهو الهلاك ، والمراد هنا أن يكون للرجل كفاف من القوت ، وقرة للبدن على العبادة واشتغال بأمر الدين علما وعملا ، وترك ما لا خير فيه ولا ضرورة إليه ، ولا كلمة أجمع لذلك من لفظ العافية ، ومن ثم لما سأله - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس أن يعلمه دعاء يدعو به اختار لفظها فقال : يا عم إني أحبك ، سل الله العافية في الدنيا والآخرة ( رواه الترمذي ) .




الخدمات العلمية