الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2349 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قول الله : إلا اللمم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما " رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب .

التالي السابق


2349 - ( وعن ابن عباس في قول الله تعالى : إلا اللمم أي : في تفسير قوله تعالى : الذين يجتنبون كبائر الإثم قيل : من كل ذنب فيه حد ، والفواحش ما فيه وعيد أو مختص بالزنا أو البخل إلا اللمم بفتحتين أي الصغائر : فإنهم لا يقدرون أن يجتنبوها لأن اللمم غير معصومين منه ، وأغرب ابن الملك حيث قال : فإنها [ ص: 1628 ] تغفر لهم بالطاعة والتوبة . اهـ . ولا خصوصية للتوبة باللمم ، وأيضا آخر الحديث يأبى عن هذا المعنى ، وقال الطيبي : الاستثناء منقطع ، فإن اللمم ما قل وما صغر من الذنوب ، ومنه قوله : ألم بالمكان : إذا قل لبثه فيه ، ويجوز أن يكون قوله : ( اللمم ) صفة ، و ( إلا ) بمعنى غير ، فقيل : هو النظرة والغمزة والقبلة ، الخطرة من الذنب ، وقيل : كل ذنب لم يذكر الله فيه حدا ولا عذابا . ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : استشهادا بأن المؤمن لا يخلو من اللمم : ( إن تغفر اللهم تغفر جما ) : بألف بعد ميم مشددة أي كثيرا كبيرا ( وأي عبد لك لا ألما ) : فعل ماض مفرد ، والألف للإطلاق أي : لم يلم بمعصية يقال : لم ؛ أي : نزل ، وألم إذا فعل اللمم ، ومعنى بيت أمية أن : إن تغفر ذنوب عبادك ، فقد غفرت ذنوبا كثيرة ، فإن عبادك كلهم خطاءون ، وأشار تعالى إليه في الآية بقوله : ( إن ربك واسع المغفرة ) والمراد بقوله تعالى : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) إنشاؤه لا إنشاده لأنه رد لقولهم : هو شاعر ، ذكره الطيبي . وقال ابن حجر : متمثلا بشعر أمية ، لا قصدا لأنه حرم عليه إنشاء الشعر ، وكذا روايته خلافا لمن وهم فيه غفلة عن كلام أئمته ، فمحل ذلك إن قاله على قصد الرواية . اهـ . وهو غير معقول المعنى فإنه ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بشعر ابن رواحة ، ويتمثل بقوله :


ويأتيك بالأخبار من لم تزود



وقد قال : أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد : "

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

" نعم ورد أنه أصاب حجر أصبعه في بعض المشاهد فقال :

هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وهو إن كان يحتمل أنه من شعر غيره وتمثل به ، لكن لما تتبعوا ولم يجدوا قائله قال الخطابي وغيره : اختلف الناس في هذا وما أشبهه من الرجز الذي جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وأوقاته ، وفي تأويل ذلك مع شهادة الله بأنه لم يعلمه الشعر وما ينبغي له ، فذهب بعضهم إلى أن الرجز ليس بشعر ، وذهب بعضهم إلى أنه يقصد به الشعر ، إذ لم يقصد صدوره عن نية له وروية ، وإنما هو اتفاق كلام يقع أحيانا وقد وجد في كتاب الله العزيز من هذا القبيل ، وهذا مما لا شك فيه أنه ليس بشعر .

قال الطيبي : البيت لأمية بن أبي الصلت أنشده النبي - صلى الله عليه وسلم - أي : من شأنك اللهم أن تغفر غفرانا كثيرا للذنوب العظيمة ، وأما الجرائم الصغيرة ، فلا تنسب إليك لأنها لا يخلو عنها أحد ، وإنها مكفرة باجتناب الكبائر انتهى . وتبعه ابن حجر ، وفيه أن هذا التكفير مذهب بعض المعتزلة على ما في شرح العقائد ، ثم قال الطيبي : و ( إن ) ليس للشك بل للتعليل كما في قوله : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين أي : لأجل أنكم مؤمنون لا تهنوا ، فالمعنى لأجل أنك غفار اغفر جما كما تقول للسلطان : إن كنت فاعلا فأعط الجزيل . انتهى .

وقال ابن حجر : ( إن ) بمعنى : ( إذ ) كما في قوله تعالى : وخافون إن كنتم مؤمنين فسقط ما قاله الطيبي ، وفيه أن المؤدى واحد ، فإن ( إذ ) للتعليل أيضا ، كما في قوله تعالى : ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم فلكل ساقط لاقط . انتهى . وعلى تقدير تقرير صحة الظرفية في إن كنتم مؤمنين لا يمتنع إرادة التعليل أيضا ، فلا وجه للسقوط مع أن الظرفية غير مستقيمة في البيت لعدم تقييد " غفاريته " تعالى بوقت دون وقت ، ولذا قال بنفسه ناقضا لكلامه تابعا للطيبي في مرامه : فالمعنى لأجل أنك غفار إلخ . ثم قال : والبيت يشتمل على محاسن . منها : اتحاد الشرط والجزاء فغفلة ما عن تقييده بجما ، وكان أمية هذا متعبدا في الجاهلية ومتدينا ومؤمنا بالبعث ، أدرك الإسلام ولم يسلم ، ولما كان في شعره ينطق بالحقائق قال - صلى الله عليه وسلم - في حقه : " كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم " .

( رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح غريب ) .

[ ص: 1629 ]



الخدمات العلمية