الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2403 - وعن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند مضجعه : ( اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، سبحانك وبحمدك ) . رواه أبو داود .

التالي السابق


2403 - ( وعن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند مضجعه ) اسم مكان أو زمان أو مصدر ( اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم ) أي : الشريف الذي يدوم نفعه ويسهل تناوله ، والوجه يعبر به عن الذات ومنه قوله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه ( وكلماتك التامات ) أي : الكاملات في إفادة ما ينبغي وهي أسماؤه وصفاته أو آياته القرآنية ودلالاته الفرقانية ، قال الطيبي : خص الاستعاذة بالذات تنبيها على أن الكل تابع لإرادته وأمره أعني قوله كن ( من شر ما أنت آخذ بناصيته ) أي : هو في قبضتك وتصرفك كقوله تعالى : ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وقيل : هي عبارة عن القدرة أي : من شر جميع الأشياء لأنه على كل شيء قدير ، وقيل : كناية عن الاستيلاء والتمكن من التصرف في الشيء ، وقيل : كنى بالأخذ بالناصية عن فظاعة شأن ما تعوذ منه ، إنما لم يقل من شر كل شيء إيماء بأنه المسبب لكل ما يضر وينفع والمرسل له ، لا أحد يقدر على منعه ، ولا شيء ينفع في دفعه ، وبينه قوله : ( اللهم أنت تكشف ) أي : تزيل وتدفع ( المغرم ) مصدر وضع موضع الاسم ، والمراد مغرم الذنوب والمعاصي ، وقيل : ما استدين فيما كره الله ، أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه ( والمأثم ) أي : ما يأثم به الإنسان ، أو هو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم ( اللهم لا يهزم جندك ) أي : لا يغلب ولو في عاقبة الأمر ( ولا يخلف وعدك ) بصيغة المجهول ورفع وعدك ، وفي نسخة بالخطاب والنصب والمراد بالوعد : الإخبار الشامل للوعد والوعيد ، وأما قول ابن حجر : أي وعدك بإثابة الطائع بخلاف تعذيب العاصي فإن خلف الوعيد كرم وخلف الوعد بخل - فقول ضعيف لأن هذا الفرق إنما هو في حق العباد ولذا قال الشاعر :


وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي



ولكن الله لا يخلف الميعاد ، قال في شرح العقائد : والله تعالى لا يغفر أن يشرك به بإجماع المسلمين ، لكنهم اختلفوا أنه هل يجوز عقلا أم لا ؟ فذهب بعضهم إلى أنه يجوز عقلا وإنما علم عدمه بدليل السمع ، وبعضهم إلى أنه يمتنع عقلا ; لأن قضية الحكمة التفرقة بين المسيء والمحسن ، والكفر نهاية في الجناية لا يحتمل الإباحة ، ورفع الحرمة أصلا فلا يحتمل العفو ودفع الغرامة ، ويؤيد المذهب الأخير قوله تعالى : أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون وقوله تعالى : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون أي : بعقولهم الفاسدة وظنونهم الكاسدة ، ثم رأيت صاحب العمدة من الحنفية قال : تخليد المؤمنين في النار والكافرين في الجنة يجوز عقلا عندهم أي : الأشاعرة إلا أن السمع ورد بخلافه [ ص: 1667 ] فيمتنع وقوعه لدليل السمع ، وعندنا لا يجوز أي : عقلا أيضا فإن قلت : لعل مراد ابن حجر ما عدا الكفر فإنه مستثنى شرعا وعقلا ، قلت : ما عداه تحت المشيئة فلا يقال فيه جواز خلف الوعيد ، مع أن الأحاديث الصحاح تظاهرت بل في المعنى تواترت أن جماعة من المؤمنين يعذبون في النار ثم يخرجون بشفاعة الأبرار أو بمغفرة الغفار ، هذا وفي شرح العقائد : وزعم بعضهم أنه يجوز خلف الوعيد ، ورد بأنه يخالف قوله تعالى : ما يبدل القول لدي قال البيضاوي : ما يبدل القول لدي أي : بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي ، وعفو المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل ، فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد اهـ يعني بمن شاء من المؤمنين ، وقد فصلت هذه المسألة مع الأدلة في رسالة مستقلة سميتها : " القول السديد في خلف الوعيد " ( ولا ينفع ذا الجد ) بفتح الجيم ( منك الجد ) فسر الجد بالغنى في أكثر الأقاويل أي : لا ينفع ذا الغنى غناه منك أي : بدل طاعتك ، وإنما ينفعه العمل الصالح ، وقال الجوهري : منك معناه : عندك ، فهو في معنى قوله : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون وقيل الجد هو : الحظ والبخت ، روي أن بعضهم قال : جدي في النخل ، وقال الآخر : جدي في الإبل ، وآخر قال : جدي في كذا فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ هذا الدعاء ، قال النووي : معناه لا ينجيه حظه منك ; إنما ينجيه فضلك ورحمتك ، وقيل ، الجد أبو الأب أي : لا ينفع مجرد النسب بل (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وروي بكسر الجيم وأريد الجد في أمور الدين ، أو معناه لا ينفعه الجد والاجتهاد في الدنيا والدين وإنما ينفعه الله ورحمته وفتحه وبركته قال تعالى : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ( سبحانك وبحمدك ) أي : أجمع بين تنزيهك وتحميدك وتقديسك وتمجيدك ( رواه أبو داود ) وكذا النسائي وابن أبي شيبة .




الخدمات العلمية