الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2582 - وعن صفية بنت شيبة - رضي الله عنها - قالت : أخبرتني بنت أبي تجراة قالت : دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ، ننظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسعى بين الصفا والمروة ، فرأيته يسعى ، وإن مئزره ليدور من شدة السعي وسمعته يقول : ( اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ) . رواه في : " شرح السنة " ورواه أحمد مع اختلاف .

التالي السابق


2582 - ( وعن صفية بنت شيبة ) : أي : الحجبي ، اختلف في رؤيتها - صلى الله عليه وسلم - قاله المؤلف . ( قالت : أخبرتني بنت أبى تجراة ) : بضم التاء ، وسكون الجيم ، وقيل : بفتح فكسر ، ذكره ابن الملك . وقال ابن حجر : بتاء فوقية مفتوحة ، فجيم ساكنة ، والأول هو الموافق لما في النسخ المصححة ، ولم يذكرها المصنف ، وفي رواية ابن الهمام : اسمها : حبيبة ، إحدى نساء بني عبد الدار . ( قالت : دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ، ننظر ( إلى ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسعى بين الصفا والمروة ) : أي : لنتشرف برؤيته ، ولنستفيد من علمه ، وبركته ( فرأيته يسعى ) : أي : يسرع ( وإن ) : بكسر الهمزة ، والواو للحال ( مئزره ) : بكسر الميم ، وسكون الهمزة ، ويبدل ( ليدور ) : أي : حول رجليه ( من شدة السعي ) : يدل على أنه كان ماشيا . وجاء ذلك صريحا في حديث حسن ، ولا ينافيه ما ورد أنه - عليه الصلاة والسلام - سعى راكبا في حجة الوداع لا مكان الجمع ، بأن مشيه كان في سعي عمرة من عمره ، أو كان مشيه في سعي الحج بعد مشيه في طواف الإفاضة ، وركوبه في سعي عمرته بعد طواف القدوم راكبا ، وأما الجمع الذي ذكره ابن حجر - رحمه الله - بأنه أراد أن يسعى ماشيا ، فتزاحم الناس عليه ، فركب فيما بقي ، فبعيد جدا ، وقد نقل الترمذي ، عن نص الشافعي كراهة الركوب بلا عذر ، ونقله ابن المنذر - رحمه الله - عن جمهور أهل العلم ، فقول النووي - رحمه الله : مذهبنا أن الركوب بلا عذر خلاف الأولى ، لا مكروه غير موجه . ( وسمعته يقول ) : أي : في السعي ( اسعوا ، فإن الله قد كتب عليكم السعي ) : قال الطيبي - رحمه الله : أي : فرض ، فدل على أن السعي فرض ؛ من لم يسع بطل حجه عند الشافعي ، ومالك ، وأحمد رحمهم الله - تعالى - اهـ . وقال أبو حنيفة - رحمه الله : السعي واجب ؛ لأن الحديث ظني ، وكذا المشي فيه مع القدرة ، وبترك الواجب يجب دم . ( رواه ) : أي : المصنف ( في شرح السنة ) : أي : بإسناده ( ورواه ) : وفي نسخة : وروى ( أحمد مع اختلاف ) : في لفظه . [ ص: 1793 ] ورواه الدارقطني ، والشافعي ، والبيهقي بسند حسن بلفظ : إنه - عليه الصلاة والسلام - استقبل الناس في المسعى وقال : " يا أيها الناس ، اسعوا ، فإن الله قد كتب عليكم السعي " . وقد قال جمع من الصحابة ، كابن عباس ، وابن الزبير ، وأنس ، وغيرهم من التابعين - رحمهم الله : إن السعي تطوع لقوله - تعالى : فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا الآية . فالأوسط الأعدل أنه واجب لا فرض . قال ابن الهمام : ورواه الشافعي ، وابن أبي شيبة ، والدارقطني . وقال صاحب التنقيح : إسناد صحيح ، والجواب : إنا قلنا بموجبه إذ مثله لا يزيد على إفادة الوجوب ، وقد قلنا به . وأما الركن فإنما يثبت عندنا بدليل به ، فإثباته بهذا الحديث إثبات بغير دليل .

ثم قال : واعلم أن سياق الحديث يفيد أن المراد بالسعي المكتوب الجري الكائن في بطن الوادي إذا رجعته ، لكنه غير مراد بلا خلاف نعلمه ، فيحمل على أن المراد بالسعي الطواف بينهما ، اتفق أنه - عليه الصلاة والسلام - قال لهم عند الشروع في الجري الشديد المسنون ، لما وصل إلى محله شرعا أعني بطن الوادي ، ولا يسن جري شديد في غير هذا المحل ، بخلاف الرمل في الطواف إنما هو مشي فيه شدة وتصلب ، ثم قيل في سبب شرعية الجري في بطن الوادي : أن هاجر - رضي الله عنها - لما تركها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - عطشت ، فخرجت تطلب الماء وهي تلاحظ إسماعيل - عليه الصلاة والسلام - خوفا عليه ، فلما وصلت إلى بطن الوادي ، تغيب عنها ، فسعت لتسرع الصعود منه فتنظر إليه ، فجعل ذلك نسكا إظهارا لتشرفهما ، وتفخيما لأمرهما .

وعن ابن عباس - رضي الله عنه : أن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لما أمر بالمناسك عرض الشيطان له عند السعي ، فسابقه فسبقه إبراهيم . أخرجه أحمد ، وقيل : إنما سعى سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إظهارا للمشركين الناظرين إليه في الوادي الجلد ، ومحمل هذا الوجه ما كان من السعي في عمرة القضاء ، ثم بقي بعده كالرمل ، إذ لم يبق في حجة الوداع مشرك بمكة ، والمحققون على أن لا يشتغل بطلب المعنى فيه ، وفي نظائره من الرمي ، وغيره ، بل هي أمور توقيفية يحال العلم فيها إلى الله - تعالى - والمسعى : هو المكان المعروف اليوم لإجماع السلف والخلف عليه كابرا عن كابر ، ولا ينافيه كلام الأذرعي أن أكثره في المسجد ، كما توهم ابن حجر - رحمه الله - فتدبر .




الخدمات العلمية