الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
255 - وعن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله عز وجل أوحى إلي : أنه من سلك مسلكا في طلب العلم ، سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه ، أثبته عليهما الجنة ، وفضل في علم خير من فضل في عبادة ، وملاك الدين الورع " رواه البيهقي في شعب الإيمان "

التالي السابق


255 - ( وعن عائشة أنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ) : قال الطيبي : حال ، والأصل سمعت قوله فأخر القول وجعل حالا ليفيد الإبهام والتبيين اهـ .

وقيل : سمع متعد إلى مفعولين ( إن الله عز وجل ) : أي : عزت ذاته وجلت صفاته ( أوحى إلي " ) : أي : وحيا خفيا غير متلو ، وهو يحتمل أن يكون بواسطة جبريل أو لا . وله - صلى الله عليه وسلم - نقله ، ولو بالمعنى ، وبهذه القيود فارق الحديث القدسي الكلام القرآني ( أنه ) : الضمير للشأن ( من سلك ) : أي : دخل أو ذهب ومشى ( مسلكا ) : أي : طريقا أو سلوكا ، والمعنى تعاطى سببا من الأسباب ( في طلب العلم ) : أي : في تحصيل العلم الشرعي ( سهلت ) : أي : يسرت ( له طريق الجنة ) : أي : طريقا موصلا إلى الجنة بالمعرفة والعبادة في الدنيا ، أو طريقا إلى باب من أبواب الجنة وسبيلا إلى قصوره المختصة به في العقبى ، وفيه إشارة إلى أن كل طريق من طرق العلم طريق من طرق الجنة ، وأن سبيل الجنة مسدودة من غير أبواب العلوم ، لكن بشرط الإخلاص المؤدي إلى العمل على وجه الاختصاص ( ومن سلبت ) : أي : أخذت ( كريمتيه ) : أي : عينيه الكريمتين عليه ، وكل شيء [ ص: 327 ] يكرم عليك فهو كريمك وكريمتك ، والمعنى أعميته فالأكمه بطريق الأولى ( أثبته ) : أي : جازيته . قال تعالى : فأثابهم الله بما قالوا جنات وفي القاموس : أثابه الله مثوبة أعطاه ، وفي نسخة : أثبته من الإثبات ( عليهما ) : أي على الكريمتين يعني : على فقدهما والصبر عليهما ( الجنة ) : مفعول ثان . قال الطيبي منصوب بنزع الخافض ، وقال ابن حجر : مفعول ثان لأثبته لتضمينه معنى أعطيت ، وكلاهما تكلف لما قدمناه ( وفضل ) : أي : زيادة ( في علم خير من فضل في عبادة ) . قال الطيبي : يناسب أن يقال : التنكير فيه يعني في فضل الأول للتقليل ، وفي الثاني للتكثير ( وملاك الدين ) : أي : أصله وصلاحه ( الورع ) : كما أن فساد الدين الطمع ، والمراد بالورع التقوى عن المحرمات والشبهات ، والطمع يؤدي إلى السمعة والرياء في العبادات . في النهاية : الملاك بالكسر والفتح قوام الشيء ونظامه ، وما يعتمد عليه فيه ، ومنه ملاك الدين . وقال الطيبي : الملاك بالكسر ما به إحكام الشيء وتقويته وإكماله ، والورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج ، ثم استعير للكف عن المباح والحلال . قلت : لعل مراده المباح والحلال الذي يؤدي إلى الشبهة وإلا فتركها زيادة على قدر الضرورة لا يسمى ورعا بل يسمى زهدا ، والله أعلم . ( رواه البيهقي في شعب الإيمان ) .




الخدمات العلمية