الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2635 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة عشر بدنة مع رجل ، وأمره فيها . فقال : يا رسول الله ، كيف أصنع بما أبدع علي منها ؟ قال ( انحرها ، ثم اصبغ نعليها في دمها ، ثم اجعلها على صفحتها ، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك ) . رواه مسلم .

التالي السابق


2635 - ( عن ابن عباس قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة عشر بدنة ) : قال الطيبي - رحمه الله : وفي نسخ المصابيح ست عشرة ، وكلاهما صحيح لأن ; البدنة تطلق على الذكر والأنثى ( مع رجل ) أي : ناجية الأسلمي ( وأمره ) - بتشديد الميم - أي : جعله أميرا ( فيه ) أي : لينحرها بمكة . ( " فقال : يا رسول الله ، كيف أصنع بما أبدع ) : بصيغة المجهول ( علي ) أي : بما حبس علي من كلال ( منها ؟ ) أي : من تلك البدن ، يقال : أبدعت الراحلة إذا كلت ، وأبدع بالرجل على بناء المجهول إذا انقطعت راحلته به لكلال ، أو هزال ، ولذا لم يقل أبدع بي ؛ لأنه لم يكن هو راكبا ، لأنها كانت بدنة يسوقها ، بل قال : أبدع علي لتضمين معنى الحبس ، كما ذكرنا ، كذا ذكره بعض المحققين من علمائنا ، وقال الطيبي - رحمه الله : أي : عطب ، يقال : أبدع بالرجل أي : انقطع به ، ووقفت دابته عن السير . ( قال : انحرها ، ثم اصبغ ) : بضم الموحدة ، ويجوز فتحها ، وكسرها أي : اغمس ( نعليها ) أي : التي قلدتها في عنقها ( في دمها ) : لئلا يأكل منها الأغنياء ( ثم اجعلها ) أي : النعل ( على صفحتها ) أي : كل واحدة من النعلين على صفحة من صفحتي سنامها ، ولفظه في رواية أخرى لمسلم : كان - صلى الله عليه وسلم - يبعث مع أبي قبيصة بالبدن ، ثم يقول " إن عطب منها شيء ، فخشيت عليها موتا ، فانحرها ، ثم اغمس نعليها في دمها ، ثم اضرب صفحتها " الحديث ( ولا تأكل منها أنت ) : للتأكيد ( ولا أحد ) أي : ولا يأكل أحد ( من أهل رفقتك ) : بضم الراء وسكون الفاء . وفي القاموس : الرفقة مثلثة أي : رفقاؤك ، فأهل زائد ، والإضافة بيانية .

[ ص: 1822 ] قال الطيبي - رحمه الله : سواء كان فقيرا ، أو غنيا ، وإنما منعوا ذلك قطعا لأطماعهم لئلا ينحرها أحد ، ويتعلل بالعطب ، هذا إذا أوجبه على نفسه ، وأما إذا كان تطوعا ; فله أن ينحره ويأكل منه ، فإن مجرد التقليد لا يخرجه عن ملكه . فإن قلت : إذا لم يأكل أحد من الرفقة أي : القافلة كان ضائعا . قلت : أهل البوادي يسيرون خلفهم ، فينتفعون به . ( رواه مسلم ) .

قال ابن الهمام : روى أصحاب السنن الأربعة ، عن ناجية الخزاعي ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معه بهدي ، وقال : " إن عطب فانحره ، ثم اصبغ نعله في دمه ، ثم خل بينه وبين الناس " . قال الترمذي : حسن صحيح ، وليس فيه : " لا تأكل أنت ولا رفقتك " .

وقد أسند الواقدي في أول غزوة الحديبية القصة بطولها ، وفيها : أنه - عليه الصلاة والسلام - استعمل على هديه ناجية بن جندب الأسلمي ، وأمره أن يتقدمه بها ، قال : كان سبعين بدنة ، فذكره إلى أن قال : وقال ناجية بن جندب : عطب معي بعير من الهدي ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأبواء ، فأخبرته ، فقال : " انحرها ، واصبغ قلائدها في دمها ، ولا تأكل أنت ولا أحد من رفقتك منها شيئا ، وخل بينها وبين الناس " .

وأخرج مسلم ، وابن ماجه ، عن قتادة ، عن سنان بن مسلم ، عن ابن عباس ، أن ذؤيبا الخزاعي أبا قبيصة ، حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث بالبدن معه ، ثم يقول : " إن عطب منها شيء ، فخشيت عليه موتا فانحرها ، ثم اغمس نعلها في دمها ، ثم اضرب به صفحها ، ولا تطعمها أنت ولا أحد من رفقتك ) . واعلم بأن قتادة لم يدرك سنانا ، والحديث معنعن في مسلم ، وابن ماجه ، إلا أن مسلما ذكر له شواهد ولم يسم ذؤيبا ، بل قال : إن رجلا . وإنما نهى ناجية ، ومن ذكر عن الأكل لأنهم كانوا أغنياء . قال شارح الكنز : ولا دلالة لحديث ناجية على المدعى ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - قال ذلك فيما عطب منها في الطريق ، والكلام فيما إذ بلغ الحرم هل يجوز له الأكل أو لا ؟ اهـ . وقد أوجبنا في هدي التطوع إذا ذبح في الطريق امتناع أكله منه وجوازه ، بل استحبابه إذا بلغ محله اهـ .

وقال الشمني : وما عطب أي : هلك من الهدي ، أو تعيب بفاحش ، وهو ما يمنع إجزاء الأضحية ؟ كذهاب ثلث الأذن ، أو العين ، ففي الواجب أبدله ؛ لأنه في الذمة ، ولا يتأذى بالمعيب ، والمعيب له ؛ لأنه لم يخرج بتعيينه لتلك الجهة عن ملكه ، وقد امتنع صرفه فيها ، فله صرفه في غيرها ، وفي التطوع نحره ، وصبغ نعله ، وضرب صفحته لحديث ناجية .

والمراد بالنعل القلادة ، وفائدة ذلك إعلام الناس أنه هدي ، فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء ، هذا ونقل الواقدي مخالف لرواية مسلم ، اللهم إلا أن يقال : العدد المذكور في رواية مسلم مختص بخدمة ناجية له ، والباقي لغيره من رفقائه ، كما يدل عليه قوله : وأمره فيها .




الخدمات العلمية