الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2697 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتخلف مع بعض أصحابه وهم محرمون ، وهو غير محرم ، فرأوا حمارا وحشيا قبل أن يراه ، فلما رأوه تركوه حتى رآه أبو قتادة فركب فرسا له ، فسألهم أن يناولوه سوطه ، فأبوا ، فتناوله فحمل عليه ، فعقره ، ثم أكل فأكلوا ، فندموا ، فلما أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه قال " هل معكم منه شيء ؟ " قالوا : معنا رجله . فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكلها . متفق عليه .

وفي رواية لهما : فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها ؟ أو أشار إليها ؟ " قالوا : لا قال : " فكلوا ما بقي من لحمها " .

التالي السابق


2697 - ( وعن أبي قتادة أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : سنة الحديبية ( فتخلف ) : أي : تأخر أبو قتادة ( مع بعض أصحابه ) : الضمير راجع إلى أبي قتادة ، أو النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وهم ) : أي : البعض ( محرمون ، وهو ) : أي : أبو قتادة ( غير محرم ) : وفي رواية المالكي : أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ، وأبو قتادة مبتدأ ولم يحرم خبره ، وإلا بمعنى لكن نظيره : ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك بالرفع في قراءة أبي كثير وأبي عمرو ، ولا يصح أن يجعل امرأتك بدلا من أحد لأنها تسر معه ، كما يدل عليه قراءة النصب . ( فرأوا حمارا وحشيا قبل أن يراه أبو قتادة ، فلما رأوه تركوه ) : أي : الحمار أو أبا قتادة بأن لم يقولوا : هذا حمار بل سكتوا . ( حتى رآه أبو قتادة ) : وفي المصابيح : حتى رآه فقط ، أي : حتى رأى أبو قتادة الحمار ، لأنه لا يجوز للمحرم الدلالة على الصيد ولا الإشارة إليه ، ( فركب ) : أي : أبو قتادة بعد ما رأى الحمار ( فرسا له ، فسألهم أن يناولوه ) : أي : يعطوه ( سوطه ، فأبوا ) : لعدم جواز المعاونة ، ( فتناوله ) : أي : أخذه بيده ( فحمل عليه ) : أي : [ ص: 1856 ] وجه الفرس نحوه فأدركه ( فعقره ) : أي : قتله ، وأصل العقر الجرح ( ثم ) : أي : بعد طبخه ( أكل ) : أي : أبو قتادة منه ( فأكلوا ) : تبعا له ( فندموا ) : لظنهم أنه لا يجوز للمحرم أكل الصيد مطلقا ، ( فلما أدركوا ) : أي : لحقوا ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه ) : أي : عنه هل يجوز أكله أم لا ؟ قال : " هل معكم منه شيء ؟ قالوا : معنا رجله ، فأخذها ) : أي : رجله ( النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكلها ) : إشارة إلى أن الجواب بالفعل أقوى من القول ، وفي رواية صحيحة : أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يأكل منه ، ولا تنافي لاحتمال أنه جرى لأبي قتادة في ذلك السفر قضيتان ، ولهذا يرد قول من حرمه مطلقا - ذكره ابن حجر - والأظهر أنه امتنع أولا خشية أن أحدا أمره أو أعانه ، فلما تبين أمره أكل منه . ( متفق عليه ) .

( وفي رواية لهما ) : أي : للشيخين المعلوم من متفق عليه ( فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أمنكم أحد أمره ) : أي : بالصريح أو الدلالة ( أن يحمل ) : أي : بالقصد ( وعليها ) : أي : على الحمار أو الصيد وتأنيثه ، باعتبار الدابة ( أو أشار إليها ) : عطف على أمره ، والفرق بين الدلالة والإشارة إلى أن الأولى باللسان والثانية باليد ، وقيل : الأولى في الغائب والثانية في الحضور ، وقيل : كلتاهما بمعنى واحد ، وهي حرام على المحرم في الحل والحرم ، وعلى الحلال في الحرم ، ثم في وجوب الجزاء عليه شرائط محلها كتب الفقه .

قال ابن الهمام : أخرج الستة في كتبهم عن أبي قتادة أنهم كانوا في مسير لهم ، بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم قال أبو قتادة : قد رأيت حمار وحش ، فركبت فرسي ، وأخذت الرمح فاستعنتهم ، فأبوا أن يعينوني فاختلست سوطا من بعضهم ، وشددت على الحمار فأصبته ، فأكلوا منه ، واستبقوا قالوا : فسئل عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليه ؟ " ( قالوا : لا قال : فكلوا ما بقي من لحمها ) : وفي لفظ لمسلم : " هل أشرتم هل أعنتم ؟ قالوا : لا قال : " فكلوا ) اهـ .

وفي رواية : أنهم رأوها ; فضحكوا ، فأبصرها ، فاستعانهم ، فأبوا أن يعينوه ، وفي أخرى رآهم يتراءون شيئا ، فنظر فإذا هو حمار وحشي ، فوقع السوط ، فقالوا : لا نعينك بشيء إنا محرمون ، وفي أخرى : فأبصروا حمارا وحشيا ، وأنا مشغول أخصف نعلي ، فلم يؤذنوني به ، وأحبوا لو أني أبصرته ، فالتفت فأبصرته ، فقلت : ناولوني السوط والرمح . فقالوا : لا والله لا نعينك عليه بشيء . وكل هذه الروايات صحيحة ، ويستفاد منها أنهم لم يقصدوا بضحكهم ، ولا بترائيهم إليه إعلامه ، وإلا لحرم ، ففي شرح المهذب : لا فرق بين الدلالة الظاهرة والخفية اتفاقا .




الخدمات العلمية