الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
274 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، قال : يا معشر القراء ! استقيموا ، فقد سبقتم سبقا بعيدا ، وإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا ، رواه البخاري .

التالي السابق


274 - ( وعن حذيفة قال : يا معشر القراء ) أي : الذين يحفظون القرآن قاله الطيبي ، وقال الأبهري ، قال الشيخ ، المراد بهم العلماء بالقرآن والسنة اهـ . فكأنه نوع من التغليب أو القراء في ذلك الزمان كانوا جامعين بين القرآن والسنة ، ولذا ورد الأولى بالإمامة والأقرأ ، وأما قول ابن حجر : أي الذين يحفظون القرآن بألسنتهم فقط ، ومن ثم ورد " أكثر منافقي أمتي قراؤها " فلا وجه له تقييدا وتعليلا ( استقيموا ) : أي : على جادة الشريعة والطريقة والحقيقة فإن الاستقامة خير من ألف كرامة وهي الثبات على العقيدة الصحيحة . والمداومة على العلم النافع والعمل الصالح ، والإخلاص الخالص ، والحضور مع الله والغيبة عن شهود ما سواه . وقال الأبهري : الاستقامة كناية عن أمر الله فعلا وتركا ( فقد سبقتم ) : قيل : الرواية الصحيحة بفتح السين والباء والمشهور ضم السين وكسر الباء ، والمعنى على الأول اسلكوا طريق الاستقامة لأنكم أدركتم أوائل الإسلام . فإن تتمسكوا بالكتاب والسنة تسبقوا إلى خير إذ من جاء بعدكم وإن عمل بعملكم لم يصل إليكم لسبقكم إلى الإسلام ، ومرتبة المتبوع فوق مرتبة التابع ، وعلى الثانية أي سبقكم المتصفون بتلك الاستقامة إلى الله فكيف ترضون لنفوسكم هذا التخلف المؤدي إلى الانحراف عن سنن الاستقامة يمينا وشمالا الموجب للهلاك الأبدي ( سبقا بعيدا ) : أي ظاهر [ ص: 337 ] التفاوت ( وإن أخذتم يمينا وشمالا ) : أي بالإعراض عن الجادة والدخول في طرق الضلالة ( لقد ضللتم ضلالا بعيدا ) . أي : عن الحق بحيث يبعد رجوعكم عنه إليه كما قال تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله قال الطيبي : الناس مخلوقون للعبادة ، ولا تتم إلا بالإخلاص ، والمقصود منهما التقرب إلى الله تعالى ، وكأن العبد يتحرى فيهما السير إلى الله عز وجل ، ويتوخى سلوك طريق الاستقامة ليوصله إلى المقصود والطريق هو الإسلام والاستسلام ، فمن سلك الطريق وثبت عليها ولم يأخذ يمينا وشمالا قد فاز وسبق ، ومن ركب متن الرياء أخذ عن يمين الصراط وشماله ، ثم إذا ثبت المرائي على اعوجاجه ولم يرجع إلى الصراط المستقيم هام في أودية الضلال ، وأداه الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر أعاذنا الله منه ، وهو المراد من قوله : ضلالا بعيدا ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية