الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2805 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يتفرقن اثنان إلا عن تراض " رواه أبو داود .

التالي السابق


2805 - ( وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يتفرقن اثنان ) ، أي : متبايعان ( إلا عن تراض ) : هو مقتبس من قوله - تعالى : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم وبعد الإيجاب والقبول بصدق تجارة عن تراض غير متوقف على التخيير ، فقد أباح - تعالى - أكل المشترى قبل التخيير ، فالمراد بالحديث والله - تعالى - أعلم أنهما لا يتفارقان إلا عن تراض بينهما ، فيما يتعلق بإعطاء الثمن وقبض المبيع ، وإلا فقد يحصل الضرر والضرار ، وهو منهي في الشرع ، أو المراد منه أن يشاور مريد الفراق صاحبه ، [ ص: 1915 ] ألك رغبة في المبيع ؟ فإن أريد الإقالة أقاله ، فيوافق الحديث الأول معنى ، وهذا في تنزيه للإجماع على حل المفارقة من غير إذن الآخر ولا علمه ، ويريد مذهبنا أيضا إطلاق قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود وهذا عقد قبل التخيير ، وقوله تعالى : وأشهدوا إذا تبايعتم أمر بالتوثق بالشهادة حتى لا يقع التجاحد للبيع والبيع يصدق قبل الخيار بعد الإيجاب والقبول ، فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم قبله كان إبطالا لهذه النصوص . قال ابن الهمام - رحمه الله - الملك المستعان : وأما حديث حبان بن منقذ حيث قال له النبي - صلى الله عليه وسلم : ( إذا ابتعت فقل : لا خلابة ولي الخيار ) فقد أثبت له اشتراط الخيار وأخره ثلاثة أيام ، فإنما يدل على أن خيار ( ثلاثة أيام ) لا يثبت إلا بالاشتراط في صلب العقد لا أصل الخيار ، وعلى هذا فالتفرق الذي هو غاية قبول الخيار بتفرق الأقوال ، وهو أن يقول الآخر بعد الإيجاب : لا أشتري أو يرجع الموجب قبل القبول وإسناد التفرق إلى الناس مرادا تفرق أقوالهم كثير في الشرع والعرف : قال - تعالى : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " افترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " وحينئذ فيراد بأحدهما في قوله : أو يقول أحدهما لصاحبه اختر الموجب بقوله بعد إيجابه للآخر اختر أتقبل أو لا ؟ والاتفاق على أنه ليس المراد أن بمجرد قوله : اختر يلزم البيع ، بل حتى يختار البيع بعد قوله : اختر فكذا اختيار القبول ، وأما القياس فعلى النكاح والخلع والعتق على مال ، فإن كلا منهما عقد معاوضة يتم بلا خيار المجلس ، بل بمجرد اللفظ الدال على الرضا فكذا البيع اهـ ملخصا . قال الطيبي ، قوله : عن تراض صفة مصدر محذوف والاستثناء متصل أي : لا يتفرقن اثنان إلا تفرقا صادرا عن تراض . قال الأشرف : فيه دليل على أنه لا يجوز التفرق بين العاقدين لانقطاع خيار المجلس إلا برضاهما اهـ ، وتقدم أنه يجوز إجماعا والنهي للتنزيه قال : وفيه دليل على ثبوت خيار المجلس لهما ، وإلا فلا معنى لهذا القول حينئذ اهـ وأنت علمت معنى القول فيما سبق وتحقق .



الخدمات العلمية