الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2894 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : غلا السعر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ! سعر لنا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة ، بدم ولا مال " . رواه الترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والدارمي .

التالي السابق


2894 - ( وعن أنس قال : غلا السعر ) : أي : ارتفعت القيمة ( على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : أي : في زمانه ( فقالوا : يا رسول الله ! سعر لنا ) : أمر من التسعير وهو من وضع السعر على المتاع . قال الطيبي - رحمه الله : " السعر القيمة ليشيع البيع في الأسواق بها " . قيل : " سميت بذلك لأنها ترتفع والتركيب لما ارتفع والتسعير تقديرها " . ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : إن الله هو المسعر ) : بتشديد العين المكسورة ( القابض الباسط ) : سبق معناهما في أسماء الله الحسنى ( الرازق ) : وفي نسخة " الرزاق " بصيغة المبالغة ، قال الطيبي - رحمه الله : قوله : " إن الله هو المسعر " إلخ جواب على سبيل التعليل للامتناع عن التسعير جيء بإن ، وضمير الفصل من اسم إن ، والخبر معرفا باللام ليدل على التوكيد والتخصيص ، ثم رتب هذا الحكم على الأخبار الثلاثة المتوالية ترتب الحكم على الوصف المناسب ، وكونه قابضا علة لغلاء السعر ، وكونه باسطا لرخصه ، وكونه رازقا يقتر الرزق على العباد ويوسعه ، فمن حاول التسعير فقد عارض الله ونازعه فيما يريده ويمنع العباد حقوقهم مما أولاهم الله تعالى في الغلاء والرخص وإلى المعنى الأخير أشار بقوله : ( وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني ) : جملة حالية ( بمظلمة ) : بكسر اللام ; ما أخذ منك ظلما كذا ذكره ، وفي المغرب : المظلمة : الظلم ، وقول محمد : " وهذا مظلمة للمسلمين " اسم للمأخوذ في قولهم : عند فلان مظلمتي وظلامي ، أي : حقي الذي أخذ مني ظلما ( بدم ) : بدل من مظلمة ( ولا مال ) : قال الطيبي - رحمه الله : جيء بلا النافية للتوكيد من غير تكرير لأن المعطوف عليه في سياق النفي ، والمراد بالمال هذا التسعير لأنه مأخوذ من المظلوم وهو كأرش جناية ، وإنما أتي بمظلمة توطئة له ، قال القاضي : " قوله : إني لأرجو إلخ ; إشارة إلى أن المانع له من التسعير مخافة أن يظلمهم في أموالهم فإن التسعير تصرف فيها بغير إذن أهلها فيكون ظلما ، ومن مفاسد التسعير تحريك الرغبات والحمل على الامتناع عن البيع وكثيرا ما يؤدي إلى القحط ( رواه الترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والدارمي ) : ورواه أحمد ، وابن حبان ، والبيهقي بلفظ : " إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر وإني لأرجو الله أن ألقى ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال " . والله أعلم .

[ ص: 1952 ]



الخدمات العلمية