الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2905 - وعن أبي رافع - رضي الله عنه - قال : " استسلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكرا فجاءته إبل من الصدقة . قال أبو رافع : فأمرني أن أقضي الرجل بكره . فقلت : لا أجد إلا جملا خيارا رباعيا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أعطه إياه فإن خير الناس أحسنهم قضاء " . رواه مسلم .

التالي السابق


2905 - ( عن أبي رافع ) : أي : مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : استسلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) : أي : استقرض ( بكرا ) : بفتح موحدة وسكون كاف فتى من الإبل بمنزلة الغلام من الإنسان ( فجاءته ) : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إبل من الصدقة ) : أي : قطعة إبل من إبل الصدقة ( قال أبو رافع : فأمرني أن أقضي الرجل بكره ، فقلت : لا أجد إلا جملا خيارا ) : يقال جمل خيار وناقة خيارة أي مختارة ( رباعيا ) : بفتح الراء وتخفيف الباء والياء ، وهو من الإبل ما أتى عليه ست سنين ودخل في السابعة حين طلعت رباعيته ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أعطه إياه ، فإن خير الناس أحسنهم قضاء ) : في شرح السنة : فيه من الفقه جواز استسلاف الإمام للفقراء إذا رأى بهم خلة وحاجة ثم يؤديه من مال الصدقة إن كان قد أوصل إلى المساكن ، وفيه دليل على جواز استقراض الحيوان وثبوته في الذمة ، وهو قول أكثر أهل العلم وبه قال الشافعي - رحمه الله . وفي الحديث دليل على أن من استقرض شيئا يرد مثل ما اقترض كان ذلك من ذوات القيم أو من ذوات الأمثال لأن الحيوان من ذات القيم ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد المثل . وفيه دليل على أن من استقرض شيئا فرد أحسن أو أكثر منه من غير شرطه كان محسنا ويحل ذلك للمقرض ، وقال النووي - رحمه الله : يجوز للمقرض أخذ الزيادة سواء زاد في الصفة أو في العدد ، ومذهب مالك أن الزيادة في العدد منهي عنها ، وحجة أصحابنا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : " فإن خير الناس أحسنهم قضاء " ، وفي الحديث دليل على أن رد الأجود في القرض أو في الدين سنة ومكارم الأخلاق ، وليس هو من قرض جر منفعة ; لأن المنهي عنه ما كان مشروطا في عقد القرض ، وفي الحديث إشكال وهو أن يقال : كيف قضى من إبل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها ؟ والجواب : أنه - صلى الله عليه وسلم - اقترض لنفسه ثم اشترى في القضاء من إبل الصدقة بعيرا وأداه ، ويدل عليه حديث أبي هريرة " اشتروا له بعيرا فأعطوه إياه " وقيل : إن المقترض كان بعض المحتاجين اقترض لنفسه فأعطاه من الصدقة حين جاءت وأمره بالقضاء ، قال : وفيه جواز إقراض الحيوانات كلها ، وهو مذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء من الخلف والسلف ، إلا الجارية لمن يملك وطأها ومذهب أبي حنيفة - رحمه الله - أنه لا يجوز والأحاديث [ ص: 1955 ] الصحيحة ترد عليه ولا يقبل دعوى النسخ بغير دليل ، قال أكمل الدين : قيل فيه جواز استقراض الحيوان وثبوته في الذمة ، وهو قول الأكثر ، وفيه نظر لجواز أن يكون ذلك أداء بقيمة ما اشترى به البعير إذ ليس في الحديث ما يدل على كونه قرضا . ( رواه مسلم ) : وروى ابن ماجه عن عرباض بن سارية الجملة الأخيرة بلفظ " خير الناس خيرهم قضاء " .




الخدمات العلمية