الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3000 - عن أبيض بن حمال المأربي أنه وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستقطعه الملح الذي بمأرب فأقطعه إياه فلما ولى قال رجل : يا رسول الله إنما أقطعت له الماء العد قال : فرجعه منه ، قال : وسأله ماذا يحمى من الآراك ، قال : لم تنله أخفاف الإبل . رواه الترمذي ، وابن ماجه ، والدارمي .

التالي السابق


3000 - ( عن أبيض بن حمال ) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ( المأربي ) المنسوب إلى مأرب بفتح الميم وسكون الهمزة وكسر الراء وقيل : بفتحها موضع باليمن وإنما نسب إلى مأرب لنزوله فيه وكان اسمه أسود فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبيض ، وقيل : مأرب من بلاد الأزد وقال المؤلف : مدينة باليمن من صنعاء ( أنه وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) هو قليل الحديث ( فأستقطعه ) أي : سأله أن يقطعه إياه ( الملح ) أي : معدن الملح ( الذي بمأرب ) موضع باليمن غير مصروف فأسعف إلى ملتمسه ( في قطعه ) أي : بالملح ( إياه ) أي : لظنه - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج منه الملح بعمل وكد ( فلما ولى ) أي : أدبر ( قال رجل ) وهو الأقرع بن حابس التيميمي على ما ذكره الطيبي وقيل : إنه العباس بن مرداس ( يا رسول الله إنما أقطعت له الماء العد ) بكسر العين وتشديد الدال المهملتين أي الدائم الذي لا ينقطع والعد المهيأ ( قال ) أي : الرجل ، قال ابن الملك : والظاهر أنه أبيض الراوي ( فرجعه ) أي : فرد الملح ( منه ) أي : من أبيض ، أقول : الأظهر أن فاعل قال هو الرجل وإلا فكان حقه أن يقوله فرجعه مني والحاصل أنه لما تبين له أنه مثل الماء المهيأ رجع فيه ، ومن ذلك علم أن إقطاع المعادن إنما يجوز إذا كانت باطنة لا ينال منها شيء إلا بتعب ومؤنة كالملح والنفط والفيروزج والكبريت ونحوها ، وما كانت ظاهرة يحصل المقصود منها من غير كد وصنعة لا يجوز إقطاعها ، بل الناس فيها شرع كالكلأ ومياه الأودية ، وأن الحاكم إذا حكم ثم ظهر أن الحق في خلافه ينقض حكمه ويرجع عنه ( قال ) أي : الراوي ( وسأله ) أي : الرجل النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ماذا يحمى ) على بناء المفعول وإسناده إلى ما استكن فيه من الضمير العائد إلى ( من الآراك ) بيان لما هو القطعة من الأرض على ما في القاموس ولعل المراد منه الأرض التي فيها الآراك ، قال المظهر : " المراد من الحمى هنا الإحياء إذ الحمى المتعارف لا يجوز لأحد أن يخصه ( قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ما لم تنله ) بفتح النون أي لم تصله ( أخفاف الإبل ) ومعناه ما كان بمعزل من المراعي والعمارات وفيه دليل على أن لا إحياء بقرب العمارة لاحتياج البلد إليه لمرعى مواشيهم وإليه أشار بقوله ما لم تنله أخفاف الإبل أي ليكن الإحياء في موضع بعيد لا تصل إليه الإبل السارحة ، وفي الفائق قيل : الأخفاف مسان الإبل ، قال الأصمعي : الخف الجمل المسن والمعنى أن ما قرب من المرعى لا يحمى بل يترك لمسان الإبل وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى على الإمعان في طلب المرعى .

وقال الطيبي - رحمه الله - : " وقيل : يحتمل أن يكون المراد به أنه لا يحمى ما يناله الأخفاف ولا شيء منها إلا ويناله الاخفاف " ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ، والدارمي ) .




الخدمات العلمية