الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
297 - وعن عبد الله الصنابحي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض ، خرجت الخطايا من فيه . وإذا استنثر ، خرجت الخطايا من أنفه وإذا غسل وجهه ، خرجت الخطايا من وجهه ، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه . فإذا غسل يديه ، خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه . فإذا مسح برأسه ، خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه . فإذا غسل رجليه ، خرجت الخطايا من رجليه ، حتى تخرج من تحت أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له ) رواه مالك والنسائي .

التالي السابق


297 - وعن عبد الله الصنابحي : بضم الصاد وتخفيف النون وبالباء الموحدة والحاء المهملة ، منسوب إلى صنابح بن ظاهر بطن من مراد ، وحديثه أنه هاجر من قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوصل إلى الجحفة فبلغته وفاته عليه الصلاة والسلام ، والمعروف فيما ذكره البخاري في تاريخه ، ومسلم في كتاب الكنى وغيرها في نسبه عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله الصنابحي ، وعسيلة بضم المهملة ثم فتح المهملة ثم سكون الياء ، كذا في جامع الأصول ، وقال المصنف : قيل أبو عبد الله . وقال ابن عبد البر : عندي أن الصنابحي أبو عبد الله التابعي لا الصحابي . قال : وأبو عبد الله الصنابحي غير معروف في الصحابة ، والصنابحي قد أخرج حديثه في الموطأ مالك بن أنس والنسائي في سننه اهـ .

قال : وقال الترمذي : هو الذي روى عن أبي بكر ، ليس له سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه عبد الرحمن بن عسيلة ويكنى أبا عبد الله اهـ . فتحصل أن الصحيح أنه أبو عبد الله ، وأنه تابعي ، فكان حق المؤلف أن يقول : مرسلا ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا توضأ العبد المؤمن ) : أي : أراد الوضوء ( فمضمض ) أي : غسل فمه [ ص: 355 ] في مختصر النهاية المضمضة المصمصة ، وقيل المهملة بطرف اللسان والمعجمة بالفم كله وفي القاموس المضمضة أي بالمعجمة تحريك الماء في الفم ، فزيادة النقطة لإفادة النكتة ، فالتعبير بالمضمضة يفيد المبالغة في التطهير ( خرجت الخطايا من فيه ) : أي : بعض الخطايا أو الخطايا المتعلقة بالفم ، وهو الظاهر وهي مقيدة بالصغائر كما تقدم ( وإذا استنثر ) : أي : غسل أنفه وبالغ في الاستنشاق قال الطيبي : خص الاستنثار لأن القصد خروج الخطايا وهو مناسب للاستنثار لأنه إخراج الماء من أقصى الأنف . وقال ابن حجر : ويخدشه التعبير بالمضمضة وهي لا تستلزم إخراج ماء لحصول أصل سنتها وإن ابتلعه فيستفاد منها حصول التكفير وإن لم يخرج ، وكذا الاستنشاق فالتعبير بالاستنثار يحتمل أنه لأنه الغاية المطلوبة من الاستنشاق ، إذ هو إخراج الماء من أقصى الأنف المستلزم لمزيد تنظيفه من أقذاره التي لا يستقصى إخراجها كلها إلا به اهـ .

وأنت تعلم أن كلام الطيبي لا ينافي ما ذكره ، بل هو عينه مع زيادة النكتة المناسبة للمقام ، ولا يلزم اطرادها مع أنه قد يقال : لما كان الغالب على الناس في المضمضة إخراج الماء من الفم اكتفي به بخلاف الاستنشاق فعبر عنه بالاستنثار ( خرجت الخطايا ) : كشم ما لا يجوز له ( من أنفه ) : أي مع الماء ( وإذا ) : وفي نسخة : بالفاء ( غسل وجهه ، خرجت الخطايا من وجهه ، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه ) : أي : أهدابهما . قال ابن حجر : ومر أن الخطايا إنما تخرج من عينيه فقط ، وجعل الخروج منها هنا غاية يقتضي خلاف ذلك إلا أن يجاب بأن ما هنا على سبيل الفرض إن اكتسب بما عدا فمه وأنفه وعينه من بقية وجهه خطيئة خرجت بغسله اهـ . وفيه أنه كان يلائمه حينئذ أن يقول من ذقنه ( فإذا ) : هنا وفيما بعد الفاء لا غير ( غسل يديه ) : أي : إلى المرفقين ( خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه . فإذا مسح برأسه ) ظاهره الاستيعاب ( خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه ) بضم الذال وسكونها ، وفيه دليل لأبي حنيفة من أن الأذنين من الرأس وأنهما يمسحان بمائه لا بماء جديد كما قاله الشافعي وتكلف له ابن حجر بما ينبو عنه السمع ( فإذا غسل رجليه ) : أي : إلى الكعبين ( خرجت الخطايا من رجليه ، حتى تخرج من تحت أظفار رجليه . ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته ) : سواء كانت فريضة أو نافلة ( نافلة له ) أي : زائدة على تكفير السيئات وهي لرفع الدرجات قاله الطيبي . أو زائدة عن تكفير سيئات أعضاء الوضوء فهي لسيئات أخر إن وجدت وإلا فلتخفيف الكبائر ثم لرفع الدرجات كما ذكره النووي فيما سبق ( رواه مالك ، والنسائي ) . قال ابن حجر بسند حسن .

[ ص: 356 ]



الخدمات العلمية