الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
26 - وعن أبي ذر قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض ، وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ ، فقال : ما من عبد قال : لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر ، وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال : وإن رغم أنف أبي ذر . متفق عليه .

التالي السابق


26 - ( وعن أبي ذر ) : هو جندب بن جنادة الغفاري ، وهو من أعلام الصحابة وزهادهم ، أسلم قديما بمكة .

يقال : كان خامسا في الإسلام ، ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الخندق ، ثم سكن ربذة إلى أن مات بها سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان ، وكان يتعبد قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم . روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين . ( قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض ) : حال من النبي - صلى الله عليه وسلم . قال الشراح : هذا ليس من الزوائد التي لا طائل تحتها ، بل قصد الراوي بذلك أن يقرر التثبت والإتقان فيما يرويه ؛ ليتمكن في قلوب السامعين . قلت : أو أراد التذكر بإحضار طلعته الشريفة ، واستحضار خلعته اللطيفة ، فيكون كأنه حاضر لديه وواقف بين يديه ( وهو نائم ) : عطف على الحال ، وهو بضم الهاء ويسكن أي فرجعت ، ( ثم أتيته ) بعد زمان ( وقد استيقظ ) حال من الضمير المنصوب ، والمعنى فوجدته منتبها من النوم ( فقال : ما من عبد قال : لا إله إلا الله ) وإنما لم يذكر محمدا رسول الله ؛ لأنه معلوم أنه بدونه لا ينفع ( ثم مات على ذلك ) أي الاعتقاد ، وثم للتراخي في الرتبة ؛ لأن العبرة بالخواتيم ( إلا دخل الجنة ) : [ ص: 100 ] استثناء مفرغ أي لا يكون له حال من الأحوال إلا حال استحقاق دخول الجنة ، ففيه بشارة إلى أن عاقبته دخول الجنة ، وإن كان له ذنوب جمة ، لكن أمره إلى الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة ، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ، ثم أدخله الجنة ( قلت : وإن زنى ) قال ابن مالك : حرف الاستفهام في قوله : وإن زنى مقدر ، ولا بد من تقديره أي أيدخل الجنة ، وإن زنى ( وإن سرق ؟ ) أو التقدير : أو إن زنى ، وإن سرق دخل ، وتسمى هذه الواو واو المبالغة ، و " إن " بعدها تسمى وصلية ، وجزاؤها محذوف لدلالة ما قبلها عليه ( قال : وإن زنى وإن سرق ؟ ) وتخصيصهما لأن الذنب إما حق الله وهو الزنا ، أو حق العباد وهو أخذ مالهم بغير حق ، وفي ذكرها معنى الاستيعاب كما في قوله تعالى : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) أي دائما ( قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ) أما تكرير أبي ذر فلاستعظام شأن دخول الجنة مع مباشرة الكبائر ، وقيل لظنه أنه لو كرر لأجابه بجواب آخر فيجد فائدة أخرى ، وأما تكرير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنكار لاستعظامه ، أي : أتبخل برحمة الله ؟ فرحمة الله واسعة على خلقه وإن كرهت ذلك . ( قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ) قال : ( وإن زنى وإن سرق ) فيه دلالة على أن أهل الكبائر لا يسلب عنهم اسم الإيمان ، فإن من ليس بمؤمن لا يدخل الجنة وفاقا ، وعلى أنها لا تحبط الطاعات لتعميمه - عليه الصلاة والسلام - الحكم وعدم تفصيله ( على رغم أنف أبي ذر ) الرغم بالفتح أشهر من الضم ، وحكي الكسر أي الكره ، ففرح بذلك أبو ذر ( وكان أبو ذر إذا حدث ) أي هذا كما في نسخة صحيحة ( قال ) تفاخرا : ( وإن رغم ) بكسر الغين ، وقيل بالضم والفتح ( أنف أبي ذر ) أي لصق بالرغام - بالفتح - وهو التراب ، ويستعمل مجازا بمعنى كره ، أو دل إطلاقا لاسم السبب على المسبب . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية