الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 2086 ] 3180 - وروي في شرح السنة : أن جماعة من النساء ردهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنكاح الأول على أزواجهن عند اجتماع الإسلامين بعد اختلاف الدين والدار . منهن بنت الوليد بن مغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح ، وهرب زوجها من الإسلام ، فبعث إليه ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمانا لصفوان فلما قدم جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسيير أربعة أشهر حتى أسلم فاستقرت عنده ، وأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل يوم الفتح بمكة ، وهرب زوجها من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم ، فثبتا على نكاحهما . رواه مالك عن ابن شهاب مرسلا .

التالي السابق


3180 - ( في شرح السنة : إن جماعة من النساء ردهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنكاح الأول على أزواجهن عند اجتماع الإسلامين ) أي : إسلامي الزوجين ( بعد اختلاف الدين والدار ) قال المظهر : يعني إذا أسلما قبل انقضاء العدة ثبت النكاح بينهما سواء كانا على دين واحد كالكتابين والوثنين أو أحدهما كان على دين والآخر على دين وسواء كانا في دار الإسلام أو في دار الحرب أو أحدهما في أحدهما والآخر في الآخر وهذا مذهب الشافعي وأحمد ، وقال أبو حنيفة : تحصل الفرقة بينهما بأحد ثلاثة أمور : انقضاء العدة أو عرض الإسلام على الآخر مع الامتناع عنه أو بنقل أحدهما من دار الإسلام إلى دار الحرب أو بالعكس ، وسواء عنده الإسلام قبل الدخول أو بعده . وفي شرح السنة : الدليل على أن اختلاف الدار لا يوجب الفرقة ما روي عن عكرمة عن ابن عباس قال : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا وكان قد افترق بينهما الدار ، قال ابن الهمام : اختلف في أن تباين الدارين حقيقة وحكما بين الزوجين وهل يوجب الفرقة بينهما قلنا : نعم ، وقال الشافعي : لا ، وفي أن السبي هل يوجب الفرقة أم لا ، فقلنا : لا ، وقال : نعم ، وقوله قول مالك وأحمد فيتفرع أربع صور : وفاقيتان ; وهما لو خرج الزوجان إلينا معا ذميين أو مسلمين أو مستأمنين ثم أسلما أو صارا ذميين لا تقع الفرقة اتفاقا ولو سبي أحدهما تقع الفرقة اتفاقا عنده للسبي وعندنا للتباين ، وخلافيتان أحدهما ما إذا خرج أحداهما إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا عندنا تقع فإن كان الرجل حل له التزوج بأربع في الحال وبأخت امرأته التي في دار الحرب إذا كانت في دار الإسلام وعنده لا تقع الفرقة بينه وبين زوجته التي في دار الحرب إلا في المرأة تخرج مراغمة لزوجها أي بقصد الاستيلاء على حقه فتبين عنده بالمراغمة ، والأخرى ما إذا سبي الزوجان معا فعنده تقع الفرقة فللسابي أن يطأها بعد الاستبراء ، وعندنا لا تقع لعدم تباين داريهما اه ، والأدلة والأجوبة من الجانبين مبسوطة في شرحه للهداية فعليك بها إن ترد النهاية ( فهن ) أي : من الأزواج التي رهن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أزواجهن بالنكاح الأول ( بنت الوليد بن مغيرة ) وفي نسخة المغيرة ( كنت تحت صفوان بن أمية ) بالتصغير ( فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها من الإسلام ) أي : ممتنعا عنه ( فبعث ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إليه ابن عمه وهب بن عمير ) بالتصغير ( برداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) الظاهر بردائه فوضع الظاهر موضع المضمر وفي نسخة فبعث على بناء المجهول ورفع ما بعده فلا إشكال ، قال الطيبي : الظاهر أن يقال بردائه وليس المقام مقام وضع المظهر مقام المضمر لأن الباعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمبعوث وهب بن عمير ، ذكر في الاستيعاب : كان عمير بن وهب استأمن لصفوان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين هرب هو وابنه وهب بن عمير فأمنه وبعث إليه وهب بن عمير بردائه أمانا لصفوان أي من قتله وتعرضه ( فلما قدم ) أي : صفوان ( جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسيير أربعة أشهر ) قال الطيبي - رحمه الله - : إضافة المصدر إلى الظروف على الاتساع كقوله يا سارق الليلة اه ، وهو تفعيل من السير بمعنى الإخراج من بلد إلى بلد ، قال التوربشتي : سيره من بلده أي أخرجه وأجلاه والمعنى في الحديث تمكينه من السير في الأرض آمنا أربعة أشهر بين المسلمين لينظر في سيرتهم إشارة إلى قوله تعالى ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) حتى يأخذوا حذرهم ويسيحوا في أرض الله حيث شاءوا فينظروا في حال المسلمين فلبث فيهم زمانا فرزقه الله الإسلام ( حتى أسلم ) قال الطيبي - رحمه الله - : بعد إسلام زوجته بشهرين ( فاستقرت عنده ) يحتمل أن يكون بالنكاح الأول أو بنكاح مجدد فلا يصلح [ ص: 2087 ] للاستدلال مع عدم الدلالة على حصول تباين الدارين ( وأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل يوم الفتح بمكة وهرب زوجها من الإسلام ) أي : من قوة أهله وشوكتهم مخافة على نفسه ( حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم ) أي : سافرت وراءه ( حتى قدمت عليه اليمن ) أي : فيها ( فدعته إلى الإسلام فأسلم فثبتا على نكاحهما ) قال ابن الهمام : وأما عكرمة فإنما هرب إلى الساحل وهو من حدود مكة فلم تتباين دارهم ، وأما ما استدل به من قصة أبي سفيان أنه أسلم في معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران حين أتى به العباس وزوجته هند بمكة وهي دار حرب إذ ذاك ، ولم يأمرها عليه الصلاة والسلام بتجديد نكاحهما فالحق أن أبا سفيان لم يكن حسن الإسلام يومئذ بل ولا بعد الفتح وهو شاهد حنينا على ما تفيده السير الصحيحة من قوله حين انهزم المسلمون : لا ترجع هزيمتهم إلى البحر ، وما نقل أن الأزلام كانت معه ، وغير ذلك مما يشهد بما ذكرنا مما نقل من كلامه بمكة قبل الخروج إلى هوازن بحنين وإنما حسن إسلامه بعد ذلك - رضي الله عنه - والذي كان إسلامه حسنا حين أسلم هو أبو سيفان بن الحارث وأما ما استدل به من تباين الدارين بين أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها هاجرت إلى المدينة وتركته بمكة على شركه ثم جاء وأسلم بعد سنتين ، وقيل : ثلاث ، وقيل : ست ، وقيل : ثمان ، فردها عليه بالنكاح الأول . فالجواب أنه : إنما رده عليه الصلاة والسلام بنكاح جديد ، روى ذلك الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد ، والجمع إذا أمكن أولى من إهدار أحدهما وهو أن يحمل قوله : على النكاح الأول على معنى بسبب سبقه مراعاة لحرمته ، وقيل : قوله : ردها على النكاح الأول ، لم يحدث شيئا معناه على مثله ، لم يحدث زيادة في الصداق ونحوه وهو تأويل حسن ، هذا وما ذكرناه مثبت ، وعلى النكاح الأول ناف لأنه مبقى على الأصل ، وأيضا نقطع بأن الفرقة وقعت بين زينب وبين أبي العاص مدة تزيد على عشر سنين ، فإنها أسلمت بمكة في ابتداء الدعوة حين دعا ، صلى الله عليه وسلم ، خديجة وبناته ; فقد انقضت المدة التي تبين بها في دار الحرب مرارا وولدت ، وروي أنها كانت حاملا فأسقطت حين خرجت مهاجرة إلى المدينة وروعها هبار بن الأسود بالرمح واستمر أبو الربيع على شركه إلى ما قبل الفتح ، فخرج تاجرا إلى الشام فأخذت سرية المسلمين ماله وأعجزهم هربا ثم دخل بليل على زينب فأجارته ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية فردوا ماله فاحتمل إلى مكة فأدى الودائع ، وما كان أهل مكة يضعونه معه وكان رجلا أمينا كريما فلما لم يبق لأحد عليه علقة قال : يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ قالوا : لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما ، قال : فإني أشهد أن لا إله لا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت ، ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكر في الروايات من قولهم : وذلك بعد ست سنين أو ثمان سنين أو ثلاث سنين ; فإنما ذاك من وقت فارقته بالأبدان ، وذلك بعد غزوة بدر ، وأما البينونة فقبل ذلك بكثير لأنها إن وقعت من حين آمنت فهي قريب من عشرين سنة إلى إسلامه وإن وقعت من حين نزلت ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) وهي مكية فأكثر من عشر هذا غير أنه كان حابسها قبل ذلك إلى أن أسر فيمن أسر ببدر وهو صلى الله عليه وسلم كان مغلوبا على ذلك قبل ذلك فلما أرسل أهل مكة في فداء الأسرى أرسلت زينب في فدائه قلادة كانت خديجة أعطتها إياها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها ، فردها عليها وأطلقه لها ، فلما وصل جهزها إليه لأنه صلى الله عليه [ ص: 2088 ] وسلم ، كان شرط عليه ذلك عند إطلاقه واتفق في مخرجها ما اتفق من هبار بن الأسود وهذا أمر لا يكاد أن يختلف فيه اثنان وبه نقطع بأن الرد كان على نكاح جديد كما هو في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ووجب تأويل رواية على النكاح الأول كما ذكرنا واعلم أن بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتصف واحدة منهن قبل البعثة بكفر ليقال آمنت بعد أن لم تكن مؤمنة ، فقد اتفق علماء المسلمين أن الله لم يبعث قط نبيا أشرك بالله طرفة عين ، والولد يتبع المؤمن من الأبوين ، فلزم أنهن لم تكن إحداهن قط إلا مسلمة ، نعم قبل البعثة كان الإسلام اتباع ملة إبراهيم ، ومن حيث وقعت البعثة لا يثبت الكفر إلا بإنكار المنكر بعد بلوغ الدعوة ومن أول ذكره - صلى الله عليه وسلم - لأولاده لم تتوقف واحدة منهن ، وأما سبايا أوطاس فقد روي أن النساء سبين وحدهن ، ورواية الترمذي تفيد ذلك عن أبي سعيد ، قال : أصبنا سبايا أوطاس ولهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) وأما قياسه على الحربي المستأمن فالجواب : منع وجود التباين لأن المدعي عليه منه هو التباين حقيقة وحكما وهو يصير الكائن في دار الحرب في حكم الميت حتى يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويقسم ميراثه والكائن في دارنا ممنوع من الرجوع ، وهذا منتف في المستأمن فإذا كان فإذا كافأنا ما ذكر بقي ما ذكرنا من المعنى اللازم للتباين الموجب للفرقة عالما من المعارض فوجب اعتباره ودليل السمع أيضا وهو قوله تعالى : ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) إلى قوله ( فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) وقد أفاد من ثلاث نصوص على وقوع الفرقة ومن وجه اقتضائي وهو ( فلا ترجعوهن ) ( رواه مالك ) الظاهر أن الضمير راجع إلى جميع ما ذكر مما روي في شرح السنة لكن دأب المؤلف أنه إنما ينسب الحديث إلى شرح السنة إذا لم يجد أحدا من المخرجين أسنده ; فالأظهر على هذا أن مرجع الضمير قوله منهن إلخ وهذا أقرب والله تعالى أعلم ( عن ابن شهاب ) أي : الزهري ( مرسلا ) أي : بحذف الصحابة قيل فلما رأى صلى الله عليه وسلم عكرمة ووثب إليه فرحا وما عليه رداء على أن بايعه وفي شرح الشمائل لميرك شاه قد قام صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه كعكرمة بن أبي جهل وعلي بن حاتم وزيد بن ثابت وجعفر بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين - .




الخدمات العلمية