الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3285 - وعن عائشة قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا طلاق ولا عتاق في إغلاق . رواه أبو داود ، وابن ماجه ، قيل : معنى الإغلاق الإكراه .

التالي السابق


3285 - ( وعن عائشة قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ) : بكسر الهمزة أي إكراه به أخذ من لم يوقع الطلاق والعتاق من المكره ، وهو مالك والشافعي وأحمد ، وعندنا يصح طلاقه وإعتاقه ونكاحه قياسا على صحتها مع الهزل ، كذا في شرح الوقاية . ( رواه أبو داود وابن ماجه ) : ورواه أحمد والحاكم ( قيل : معنى الإغلاق الإكراه ) : قال الطيبي : وقيل معناه إرسال التطليقات دفعة واحدة حتى لا يبقى منها شيء ، ولكن يطلق طلاق السنة ، اهـ . وفيه أن هذا التفسير لا يستقيم في عتاق قال ميرك : وعند أبي داود في غلاق وقال : الغلاق أظنه الغضب . قال المنذري : المحفوظ الإغلاق ، وفسروه بالإكراه لأن المكره يغلق عليه أمره ويضيق عليه في تصرفه ، كما يغلق الباب على الإنسان ، وقيل : كان يغلق عليه الباب ويحبس أمره ويضيق حتى يطلق وقيل الإغلاق هاهنا الغضب كما [ ص: 2141 ] فسره أبو داود وقيل : معناه النهي عن إيقاع الطلاق الثلاث كله في دفعة واحدة طلاق بدعة ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وقال الشافعي : ليس ببدعة كذا ذكره ميرك ، قال ابن الهمام : وطلاق المكره واقع ، وبه قال الشعبي والنخعي والثوري خلافا للشافعي ، وبقوله قال مالك وأحمد فيما إذا كان الإكراه بغير حق لا يصح طلاقه ولا خلعه ، وهو مروي عن علي وابن عمر وشريح وعمر بن عبد العزيز لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " . ولأن الإكراه لا يجامع الاختيار الذي به يعتبر التصرف الشرعي بخلاف الهازل ; لأنه مختار في التكلم بالطلاق غير راض بحكمه فيقع طلاقه ، قلنا وكذلك المكره مختار في التكلم اختيارا كاملا في السبب إلا أنه غير راض بحكمه ; لأنه عرف الشرين فاختار أهونهما عليه غير أنه محمول على اختياره ذلك ، ولا تأثير لهذا في نفي الحكم ، يدل عليه حديث حذيفة وأبيه حين حلفهما المشركون فقال لهما - صلى الله عليه وسلم - : " نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم " . فبين أن اليمين طوعا وكرها سواء ، فعلم أن لا تأثير للإكراه في نفي الحكم المتعلق بمجرد اللفظ عن اختيار بخلاف البيع ; لأن حكمه يتعلق باللفظ وما يقوم مقامه مع الرضا ، وهو منتف بالإكراه ، وحديث رفع الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه من باب المقتضى ولا عموم له ، ولا يجوز تقدير الحكم الذي يعم أحكام الدنيا وأحكام الآخرة ، بل إما حكم الدنيا وإما حكم الآخرة ، والإجماع على أن حكم الآخرة - وهو المؤاخذة - مراد فلا يراد الآخر معه والأعم ، وروى محمد - رحمه الله - بإسناده عن صفوان بن عمر الطائي أن امرأة كانت تبغض زوجها فوجدته نائما فأخذت شفرة وجلست على صدره ثم حركته وقالت : لتطلقني ثلاثا أو لأذبحنك ، فناشدها الله ، فأبت فطلقها ثلاثا ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن ذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا قيلولة في الطلاق ، اهـ . وقال الشعبي رواه العقيلي في كتابه قال ابن الهمام : وجميع ما يثبت مع الإكراه أحكامه عشرة تصرفات : النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء والفيء والظهار والعتاق والعفو عن القصاص واليمين والنذر ، وجمعتها ليسهل حفظها في قوله :


يصح مع الإكراه عتق ورجعة نكاح وإيلاء طلاق مفارق

وفي ظهار واليمين ونذره وعفو
لقتل يثاب عنه مفارق



وهذا في الإكراه على غير الإسلام وإلا فبالإكراه على الإسلام تتم أحد عشر لأن الإسلام يصح معه .




الخدمات العلمية