الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3456 - وعن جابر رضي الله عنه : أن الطفيل بن عمرو الدوسي لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه ، وهاجر معه رجل من قومه ، فمرض فجزع ، فأخذ مشاقص له ، فقطع بها براجمه ، فشخبت يداه ، حتى مات ، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه ، فقال : ما صنع بك ربك ؟ فقال : غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم . قال : ما لي أراك مغطيا يديك ؟ قال : قيل لي : لن نصلح منك ما أفسدت ، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم وليديه فاغفر " . رواه مسلم .

التالي السابق


3456 - ( وعن جابر ، أن الطفيل بن عمرو الدوسي ) : بفتح أوله . قال المؤلف : أسلم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم رجع إلى بلاد قومه ، فلم يزل بها حتى هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بمن تبعه من قومه ، فلم يزل مقيما عنده إلى أن قبض النبي صلى الله عليه وسلم وقتل يوم اليمامة شهيدا روى عنه جابر وأبو هريرة . ( ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر ) : أي الطفيل ( إليه ) ، أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( وهاجر معه ) : أي مع الطفيل ( رجل من قومه ، فمرض ) : أي الرجل ( فجزع ، فأخذ مشاقص له ) : بفتح الميم وكسر القاف جمع مشقص كمنبر وهو السكين ، وقيل : نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض ، كذا في القاموس ، واقتصر في النهاية على الثاني ( فقطع بها ) : أي ببعض المشاقص ( براجمه ) ، بفتح الموحدة وكسر الجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم ، وهي مفاصل الأصابع التي بين الرواجب ، وهي المفاصل التي تلي الأنامل وبين الأشاجع ، وهي التي تلي الكف ، كذا في بعض شروح المصابيح ، وفي النهاية : البراجم هي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ الواحدة برجمة بالضم ، ( فشخبت ) : بفتح المعجمتين أي سالت ( يداه ) : أي دمهما ( حتى مات ، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته ) : أي سمة الرجل وحاله ( حسنة ) : جملة حالية ( ورآه ) : بصيغة الماضي عطفا على الأول ، وفي نسخة بهمزة بعد الألف ممدودة أي عقبه ظرف لقوله فرآه ، ثم قوله : ( مغطيا يديه ) ، بكسر الطاء حال من المفعول ( فقال ) : أي الطفيل ( له : ما صنع بك ربك ؟ قال : غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم . فقال : ما لي ) : بفتح الإضافة وسكونها ( أراك مغطيا يديك ؟ قال : قيل لي ) : أي بواسطة أو غيرها ( لن نصلح منك ما أفسدت ) : أي بيديك ، ولعل التقدير إلا إن شفع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( فقصها ) : أي فحكى الرؤيا ( الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم وليديه " ) . عطف على مقدر أي تجاوز عنه وليديه ( " فاغفر " ) .

قال الطيبي رحمه الله : عطف من حيث المعنى على قوله : وقيل لي لن نصلح منك ما أفسدت ; لأن التقدير : قيل لي غفرنا لك سائر أعضائك إلا يديك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم وليديه فاغفر " . واللام متعلق بقوله : فاغفر . قال التوربشتي : هذا الحديث وإن كان فيه ذكر رؤيا أريها الصحابي للاعتبار بما يؤول تعبيره ، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم وليديه فاغفر " . من جملة ما ذكرنا من الأحاديث الدالة على أن الخلود غير واقع في حق من أتى بالشهادتين ، وإن قتل نفسه ; لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا للجاني على نفسه بالمغفرة ، ولا يجوز في حقه أن يستغفر لمن وجب عليه الخلود بعد أن نهي عنه . ( رواه مسلم ) .

[ ص: 2264 ]



الخدمات العلمية