الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3460 - وعنه قال : كسرت الربيع - وهي عمة أنس بن مالك - ثنية جارية من الأنصار ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر بالقصاص ، فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك : لا والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أنس ! كتاب الله القصاص " . فرضي القوم وقبلوا الأرش . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " . متفق عليه .

التالي السابق


3460 - ( وعنه ) : أي : عن أنس ( قال : كسرت الربيع ) : بضم راء وفتح موحدة وتشديد تحتية مكسورة أي : بنت النضر الأنصارية ، وهي أم حارثة بنت سراقة . قال المؤلف : وقد جاء في صحيح البخاري : أنها أم الربيع بنت النضر ، والذي ذكر في أسماء الصحابيات أنها الربيع وهو الصحيح . ( - وهي عمة أنس بن مالك ) : أي : ابن النضر راوي الحديث ( ثنية جارية ) : بفتح مثلثة وكسر نون وتشديد تحتية واحدة الثنايا مفعول كسرت ، والمراد بالجارية بنت ( من الأنصار ، فأتوا ) : أي : قوم الجارية ( النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر بالقصاص ، فقالأنس بن النضر عم أنس بن مالك : لا والله لا تكسر ) : بصيغة المجهول ( ثنيتها ) : أي : ثنية الربيع ( يا رسول الله ) : قال القاضي : الحديث يدل على ثبوت القصاص في الأسنان ، وقول أنس : لا والله إلخ لم يرد به الرد على الرسول والإنكار بحكمه ، وإنما قاله توقعا ورجاء من فضله تعالى أن يرضي خصمها ويلقي في قلبه أن يعفو عنها ابتغاء مرضاته ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رضي القوم بالأرش ما قال . ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أنس " ) : أي : ابن النضر ( " كتاب الله " ) : أي : حكمه أو حكم كتابه على حذف المضاف ( " القصاص " ) : أي : المماثلة في العدوان فيكون إشارة إلى قوله تعالى : فمن اعتدى عليكم وقوله : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وقوله : والجروح قصاص وإلى قوله : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس إلى قوله : والسن بالسن إن قلنا بأنا متعبدون بشرع من قبلنا ما لم يرد نسخ في شرعنا . قال الطيبي رحمه الله : " لا " . في قوله لا والله ليس ردا للحكم بل نفيا لوقوعه ، وقوله : والله لا تكسر إخبار عن عدم الوقوع ، وذلك بما كان له عند الله من القربى والزلفى والثقة بفضل الله ولطفه في حقه أنه لا يحنث ، بل يلهمهم العفو ، ويدل عليه ما في رواية : لا والله لا يقتص منها أبدا ( فرضي القوم وقبلوا الأرش ) أي : الدية ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " ) : أي : جعله بارا في يمينه لا حانثا ، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم جعله من زمرة عباد الله المخلصين وأولياء الله المصطفين . قال النووي : فيه جواز الحلف فيما يظن الإنسان وقوعه ، وجواز الثناء على من لا يخاف الفتنة بذلك ، واستحباب العفو عن القصاص والشفاعة في العفو ، وأن الخيرة في القصاص والدية إلى مستحقه ، لا إلى المستحق عليه ، وإثبات القصاص بالرجل والمرأة ، ووجوب القصاص في السن وهو مجمع عليه إذا قلعها كلها ، وفي كسر بعضها وكسر العظام خلاف ، فالأكثرون على عدم القصاص اهـ . وعندنا فيه تفصيل محله كتب الفقه . ( متفق عليه ) .

[ ص: 2266 ]



الخدمات العلمية