الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3475 - وعن علي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويرد عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم ، ألا لا يقتل مسلم بكافر ، ولا ذو عهد في عهده " . رواه أبو داود ، والنسائي .

التالي السابق


3475 - ( وعن علي رضي الله عنه ) : قال الطيبي : وهذا الحديث من جملة ما قد كان في الصحيفة التي كانت في قراب سيفه ، ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسلمون تتكافأ " ) : بالتأنيث وهمز آخره أي تتساوى ( " دماؤهم ) : في الديات والقصاص . في شرح السنة : يريد به أن دماء المسلمين متساوية في القصاص ، يقاد الشريف منهم بالوضيع ، والكبير بالصغير ، والعالم بالجاهل ، والمرأة بالرجل ، وإن كان المقتول شريفا أو عالما ، والقاتل وضيعا أو جاهلا ، ولا يقتل به غير قاتله على خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية ، وكانوا لا يرضون في دم الشريف بالاستقادة من قاتله الوضيع ، حتى يقتلوا عدة من قبيلة القاتل . ( " ويسعى بذمتهم " ) : أي بأمانهم ( " أدناهم " ) : في الفائق : الذمة الأمان ، ومنها سمي المعاهد ذميا ; لأنه أومن على ماله ودمه للجزية ، والمعنى إذا أعطى أدنى رجل منهم أمانا فليس للباقين إخفاره أي نقض عهده وأمانه . في شرح السنة : أي إن واحدا من المسلمين إذا أمن كافرا حرم على عامة المسلمين دمه ، وإن كان هذا المجير أدناهم ، مثل أن يكون عبدا أو امرأة أو عسيفا تابعا أو نحو ذلك ، فلا يخفر ذمته . وفي الجامع الصغير : سيجير على أمتي أدناهم . رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة . ( " ويرد عليهم أقصاهم " ) : في شرح السنة فيه وجهان : أحدهما : أن بعض المسلمين وإن كان قاصي الدار عن بلاد الكفر إذا عقد للكافر عقدا في الأمان لم يكن لأحد منهم نقضه ، وإن كان أقرب دارا من المعقود له ، وثانيهما : إذا دخل العسكر دار الحرب ، فوجه الإمام سرية منهم ، فما غنمت من شيء أخذت منه ما سمى لها ، ويرد على العسكر الذين خلفهم ، لأنهم وإن لم يشهدوا الغنيمة كانوا ردءا للسرايا . قال الطيبي : وكذا في النهاية ، وهو اختيار القاضي ، والأول هو الظاهر لما يلزم من الثاني التعمية والإلغاز ; لأن مفعول يرد غير مذكور ، وليس في الكلام ما يدل عليه بخلاف الأول ، لأنه يدل عليه قوله : ويسعى بذمتهم أدناهم ، وليس بين القرينتين تكرار ; لأن المعنى يجير بعهدهم أدناهم منزلة وأبعدهم منزلا ، وينصر الوجه الثاني الحديث السادس من الفصل الثاني في باب الديات وسيجيء بيانه . ( " وهم ) : أي المسلمون ( يد " ) : أي كأنهم يد واحدة في التعاون والتناصر . ( " على من سواهم ) : قال أبو عبيدة : أي المسلمون لا يسعهم التخاذل ، بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الأديان والملل . قال الطيبي : وقد سبق تحقيق هذا التركيب وبيان مجازه ( " ألا " ) : بالتخفيف للتنبيه ( " لا يقتل مسلم بكافر " ) : أي بحربي بدليل عطف ما بعده عليه ، فلا ينافيه ما قال أبو حنيفة من أنه يقتل المسلم بالذمي ، وقال الشافعي : لا يقتل مسلم بكافر مطلقا ( " ولا ذو عهد " ) : أي لا يقتل ( " في عهده " ) : أي في زمانه وحاله . قال ابن الملك : أي لا يجوز قتله ابتداء ما دام في العهد . قال القاضي : أي لا يقتل لكفره ما دام معاهدا غير ناقض . وقال الحنفية : معناه لا يقتل ذو عهد في عهده بكافر قصاصا ، ولا شك أن الكافر الذي لا يقتل به المعاهد هو الحربي دون الذمي ، فينبغي أن يكون المراد بالكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه .

[ ص: 2248 ] قلت : ذلك ما كنا نبغي . قال : وهو ضعيف ; لأنه إضمار من غير حاجة ، ولا دليل يقتضيه ، وأن التسوية بين المعطوف والمعطوف عليه غير لازم . قلت : عدم لزومه مسلم لكنه مستحسن ، فالمبني عليه أحسن ، وهو الدليل المقتضي للإضمار ، فضعف قوله من غير حاجة . قال : ثم إنه يفضي إلى أن يؤول قوله : لا يقتل مؤمن بكافر إلى أنه لا يقتل مؤمن بحربي ، فيكون لغوا لا فائدة فيه . قلت : بل الفائدة فيه أنه يقتل مؤمن بذمي عندنا ، فيتعين هذا التأويل . قال التوربشتي : لولا أن المراد ما ذهب إليه الأصحاب لكان الكلام خاليا عن الفائدة لحصول الإجماع على أن المعاهد لا يقتل في عهده . في شرح السنة : فائدته أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسقط القود عن المسلم إذا قتل الكافر أوجب ذلك توهين حرمة دماء الكفار ، فلم يؤمن من وقوع شبهة لبعض السامعين في حرمة دمائهم وإقدام المسرع من المسلمين إلى قتلهم ، فأعاد القول في حظر دمائهم دفعا للشبهة ، وقطعا لتأويل المتأول اهـ .

ولا يخفى ضعفه وإن قواه الطيبي مما تكلفه . قال الأشرف : قال الحافظ أبو موسى : يحتمل هذا الحديث وجها آخر ، وهو أن يكون معناه لا يقتل مؤمن بأحد من الكفار ، ولا معاهد ببعض الكفار وهو الحربي ، ولا ينكر أن يكون لفظة واحدة يعطف عليها سيماءان يكون أحدهما راجعا إلى جميعها ، والآخر إلى بعضها . قلت : لا شك أنه حينئذ يحتاج إلى دليل في الكلام ليظهر به المرام ، وقال بعض المحققين من علمائنا في شرحه : قوله : ذو عهد . عطف على مسلم ، والمراد به : ذو أمان لا ذو إيمان ; لأن العطف يقتضي المغايرة ، وإلا يصير معناه : لا يقتل مؤمن ولا مؤمن بكافر إلا أن فيه تقديما وتأخيرا تقديره : لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر ، والمراد بالكافر الحربي دون الذمي ; لأنه يقتل الذمي بمثله إجماعا . ( رواهأبو داود والنسائي ) : أي كلاهما عن علي .




الخدمات العلمية