الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

3565 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنه قد زنى ، فأعرض عنه ، ثم جاء من شقه الآخر ، فقال : إنه قد زنى . فأعرض عنه ، ثم جاء من شقه الآخر ، فقال : يا رسول الله إنه قد زنى . فأمر في الرابعة ، فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة ، فلما وجد مس الحجارة فر يشتد ، حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به ، وضربه الناس حتى مات . فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هلا تركتموه ) . رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وفي رواية : ( هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه ) .

التالي السابق


الفصل الثاني

3565 - ( عن أبي هريرة قال : جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد زنى ) ، هذا نقل بالمعنى كما لا يخفى ، إذ لفظه : إني قد زنيت ، أو المراد أن ماعزا قد زنا ( فأعرض عنه ، ثم جاءه من شقه الآخر ) ، أي بعد غيبته عن المجلس ( فقال : إنه قد زنى ، فأعرض عنه ، ثم جاءه من شقه الآخر ، فقال : يا رسول الله إنه قد زنى . فأمر به ) : أي برجمه ( في الرابعة ) ، أي في المرة الرابعة من مجالس الاعتراف

[ ص: 2341 ] ( فأخرج ) : بصيغة المجهول أي أمر بإخراجه ( إلى الحرة ) ، هي بقعة ذات حجارة سود خارج المدينة ( فرجم بالحجارة ، فلما وجد مس الحجارة ) ، أي ألم إصابتها ( فر ) : أي هرب ( يشتد ) ، بتشديد الدال يسعى ، وهو حال ( حتى مر برجل معه لحي جمل ) فيجب أن يكون ذلك مبهما ، وقد فسر بما بعده كقوله تعالى وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ولعله كرر لزيادة البيان ، وقوله : ( ومس الموت ) عطف على مس الحجارة على سبيل البيان ، كقوله تعالى : وإن من الحجارة لما يتفجر الآية عطف على قوله : فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، بيانا . ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلا تركتموه ) . ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وفي رواية ) : أي لابن ماجه ، أو لهما أو لغيرهما ( هلا تركتموه لعله أن يتوب ) : أي عسى أن يرجع عن فعله ( فيتوب الله عليه ) . أي يرجع الله عليه بقبول توبته . قال ابن الملك : فيه أن المقر على نفسه بالزنا لو قال : ما زنيت ، أو كذبت ، أو رجعت سقط عنه الحد ، فلو رجع في أثناء إقامته عليه سقط الباقي ، وقال جمع : لا يسقط إذ لو سقط لصار ماعز مقتولا خطأ فتجب الدية على عواقل القاتلين . قلنا : إنه لم يرجع صريحا ؛ لأنه هرب ، وبالهرب لا يسقط الحد ، وتأويل قوله : ( هلا تركتموه ) أي لينظر في أمره أهرب من ألم الحجارة أو رجع عن إقراره بالزنا .

قال الطيبي : فإن قلت : إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واخذهم بقتله حيث فر ، فهل يلزمهم قود ؟ إذا قلت : لا ؛ لأنه مضى صلى الله عليه وسلم وأخذهم بشبهة عرضت تصلح أن يدفع بها الحد ، وقد عرضت لهم شبهة أيضا ، وهي إمضاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا جناح عليهم اه . ولا يخفى أن قوله : فهل يلزمهم قود خطأ إذ لا معنى للقصاص في هذا المقام .

في شرح السنة : فيه دليل على أن من أقر على نفسه بالزنا إذا رجع في خلال الحد فقال : كذبت أو ما زنيت أو رجعت ، سقط ما بقي من الحد عنه ، وكذلك السارق وشارب الخمر .




الخدمات العلمية