الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3566 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : ( أحق ما بلغني عنك ؟ ) قال : وما بلغك عني ؟ قال : ( بلغني أنك قد وقعت على جارية آل فلان ) قال : نعم ، فشهد أربع شهادات ، فأمر به فرجم . رواه مسلم .

التالي السابق


3566 - ( وعن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : ( أحق ) : أي أثابت ( ما بلغني عنك ؟ قال : وما بلغك عني ؟ قال : بلغني أنك قد وقعت بجارية آل فلان ) : وفي نسخة صحيحة على جارية آل فلان أي على بنتهم ( قال : نعم ، فشهد ) : أي أقر ( أربع شهادات ) ، أي مرات في مجالس متعددة ( فأمر به ) : أي برجمه ) ( فرجم ، رواه مسلم ) . قال الطيبي : فيه تنبيه من المؤلف على أن هذا الحديث غير مقر في مكانه بل مكانه الفصل السابق ، فإن قلت : كيف التوفيق بين هذا الحديث وبين حديث بريدة ، يعني على ما سبق فإن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان عارفا بزنا ماعز ، فاستنطقه ليقر به ليقيم عليه الحد ، وحديث بريدة وأبي هريرة أي السابق ، ويزيد بن نعيم أي اللاحق ، يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عارفا به ، فجاء ماعز ، فأقر ، فأعرض عنه مرارا ، ثم جرت بعد ذلك أحوال جمة ثم رجم ؟ قلت : للبلغاء مقامات ، فمن مقام يقتضي الإيجاز فيقتصرون على كلمات معدودة ، ومن مقام يقتضي الإطناب فيطنبون فيه كل الإطناب . قال :


يرمون بالخطب الطوال تارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء

فابن عباس سلك طريق الاختصار ، فأخذ من أول القصة وآخرها ، إذ كان قصده بيان رجم الزاني المحصن بعد إقراره ، وبريدة وأبو هريرة ويزيد سلكوا سبيل الإطناب في بيان مسائل مهمة للأمة ، وذلك أنه لا يبعد أن [ ص: 2342 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه حديث ماعز ، فأحضره بين يديه ، فاستنطقه لينكر ما نسب إليه لدرء الحد ، فلما أقر أعرض عنه ، فجاءه من قبل اليمين بعدما كان مائلا بين يديه ، فأعرض عنه ، فجاءه من قبل الشمال يدل عليه حديث أبي هريرة ، ثم جاءه من شقه الآخر ، وكل ذلك ليرجع عما أقر ، فلما لم يجد فيه ذلك ، فقال : ( أبه جنون ؟ ) إلخ ونظير سلوك ابن عباس في أخذ القصة أولها وآخرها ملخصا قوله تعالى : كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول : ( لحي ) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة أي عظم ذقنه ، وهو الذي ينبت عليه الأسنان ( فضربه ) : أي الرجل ( به ) ، أي باللحي ( وضربه الناس ) : أي آخرون بأشياء أخر ( حتى مات . فذكروا ) : أي بعض أصحابه فأخذناه أخذا وبيلا فالفاء في فأخذناه كالفاء في فأمر به ، فرجم ، فالفاء تستدعي حالات وتارات وشئونا لا تكاد تنضبط إلى أول القصة من قوله : كما أرسلنا فعصى ، والله تعالى أعلم .

وقال النووي في شرح مسلم : هكذا وقع في هذه الرواية ، والمشهور في باقي الروايات أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال : طهرني . قال العلماء : لا تناقض بين هذه الروايات ، فيكون قد جيء به إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من غير استدعاء من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقد جاء في غير مسلم أن قومه أرسلوه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أرسله : ( لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيرا لك ) . وكان ماعز عنده هزال ، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جرى له : ( أحق ما بلغني عنك ؟ ) إلخ .




الخدمات العلمية