الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3603 - وعن جابر قال : جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : اقطعوه ، فقطع ثم جيء به الثانية ، فقال : اقطعوه ، فقطع ثم جيء به الثالثة ، فقال : اقطعوه ، فقطع ثم جيء به الرابعة ، فقال : اقطعوه ، فقطع فأتي به الخامسة ، فقال : اقتلوه ، فانطلقنا به ، فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ، ورمينا عليه الحجارة . رواه أبو داود والنسائي .

التالي السابق


3603 - ( وعن جابر قال : جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : اقطعوه ) أي يده ( فقطع ثم جيء به الثانية ) أي المرة الثانية أو المجيئة الثانية ( فقال : اقطعوه ، فقطع ثم جيء به الثالثة فقال : اقطعوه ، فقطع ثم جيء به الرابعة فقال : اقطعوه ، فأتي به الخامسة ) قال الطيبي : أصله فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأقيم المفعول مقام الفاعل وهو ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون الجار والمجرور قد أقيم مقام الفاعل وكذا القول في جيء به قلت : وكذا في جيء بسارق ( فقال : اقتلوه ) قال بعض الشراح من علمائنا : إن صح هذا فالوجه فيه أنه منسوخ فقد صح : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث . الحديث وفي السراجية : للإمام أن يقتله سياسة ، قال الخطابي : لا أعلم أحدا من الفقهاء يبيح دم السارق إن تكررت منه السرقة مرة بعد أخرى إلا أنه قد يخرج على مذهب بعض الفقهاء أن يباح دمه وهو أن يكون هذا من المفسدين في الأرض ، وللإمام أن يجتهد في تعزير المفسد ويفعل به ما رأى من العقوبة وإن زاد على الحد وإن رأى أن يقتل قتل ويعزى ذلك إلى مالك بن أنس والحديث إن كان ثابتا فهو يؤيد هذا الرأي . اهـ كلامه وقيل : هذا منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة . ( فانطلقنا به فقتلناه ثم اجتررناه ) من الجر ( فألقيناه في بئر وألقينا عليه الحجارة ) قال الطيبي : فيه دلالة على أن قتله هذا للإهانة والصغار لا يليق بحال المسلم وإن ارتكب الكبائر فإنه قد يعزر ويصلى عليه لا سيما بعد إقامة الحد وتطهيره فلعله يرتد ووقف صلى الله عليه وسلم على ارتداده كما فعل بالعرنيين من المثلة والعقوبة الشديدة ، ولعل الرجل بعد القطع تكلم بما يوجب قتله اهـ وقد يقال : إنه كان مستحلا للسرقة والله تعالى أعلم ( رواه أبو داود والنسائي ) قال ابن الهمام : أخرج أبو داود عن جابر قال : جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقتلوه فقالوا : يا رسول الله إنما سرق قال : اقطعوه ، فقطع ثم جيء به في الثالثة فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، ثم جيء به الرابعة فقال : اقتلوه ، قالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، ثم جيء به الخامسة قال : اقتلوه ، قال جابر : فانطلقنا به فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه ورمينا عليه [ ص: 2362 ] الحجارة . قال النسائي : حديث منكر ، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي ، وأخرج النسائي عن أحمد بن سلمة عن يوسف بن سعد عن الحارس بن حاطب اللخمي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص فقال : اقتلوه ، قالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، ثم سرق فقطعت رجله على عهد أبي بكر حتى قطعت قوائمه الأربعة كلها ثم سرق الخامسة فقال أبو بكر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال اقتلوه . ورواه الطبراني والحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ، وقال المصنف : يعني صاحب الهداية وروي مفسرا كما هو مذهبه أي مذهب الشافعي أخرجه الدارقطني ، وعن أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام قال : إذا سرق السارق فاقطعوا يده فإن عاد فاقطعوا رجله فإن عاد فاقطعوا رجله . وفي سنده الواقدي وهنا طرق كثيرة متعددة لم تسلم من طعن ولذا طعن الطحاوي فقال : تتبعنا هذه الآثار فلم نجد لشيء منها أصلا ، وفي المبسوط : غير صحيح وإلا احتج به بعضهم في مشاورة علي ولئن سلم يحمل على الانتساخ لأنه كان في الابتداء تغليظ في الحدود ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع أيدي العرنيين وأرجلهم وسمر أعينهم ثم انتسخ ذلك وأما فعل أبي بكر فروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من اليمن أقطع اليد والرجل قدم فنزل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه فكان يصلي في الليل ويبكي فيقول أبو بكر : ما لي لك بليل سارق ثم أنهم فقدوا عقدا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق فجعل الرجل يطوف معهم ويقول : اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به ، فاعترف الأقطع ، وشهد عليه ، فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى ، وقال أبو بكر : لدعاؤه على نفسه أشد عليه من سرقته .

ورواه عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قدم على أبي بكر رجل أقطع فشكا إليه أن يعلى بن أمية قطع يده ورجله في سرقة ، وقال : والله ما زادت على أنه كان يوليني شيئا من عمله فخنته في فريضة واحدة فقطع يدي ورجلي ، فقال له أبو بكر : إن كنت صادقا فلأقيدنك منه ، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى فقد آل أبي بكر حليا لهم فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم أظهر من سرق آل هذا البيت الصالح قال : فما انتصف النهار حتى عثروا على المتاع عنده ، فقال له أبو بكر : ويلك إنك لقليل العلم فقطع أبو بكر يده الثانية ، قال محمد بن الحسن في موطئه : قال الزهري : ويروى عن عائشة قالت : إنما كان الذي سرق عقد أسماء أقطع اليد اليمنى فقطع أبو بكر رجله اليسرى قال : وكان ابن شهاب أعلم بهذا الحديث من غيره ، هذا وقد حكي عن عطاء وعمرو بن العاص وعثمان وعمر بن العزيز - رحمهم الله - أنه يقتل في المرة الخامسة كما هو ظاهر ما روي من ذلك وذهب مالك والشافعي إلى أنه يعزر ويحبس كقولنا في الثالثة ، ولنا قول علي كرم الله وجهه ، قال محمد بن الحسن في كتاب الآثار : أخبرنا أبو حنيفة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سالمة عن علي بن أبي طالب قال : إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى وإن عاد قطعت رجله اليسرى فإن عاد ضمنته السجن حتى يحدث خيرا إني لأستحي من الله أن أدعه ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها ورجل يمشي عليها . ومن طريق محمد رواه الدارقطني ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي قال : كان علي لا يقطع إلا اليد والرجل وإن سرق بعد ذلك سجنه ويقول : إني لأستحي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ويستنجي بها . ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : كان علي لا يزيد على أن يقطع يدا ورجلا فإذا أتي به بعد ذلك قال : إني لأستحي من الله لأدعه لا يتطهر لصلاته ولكن احبسوه . وأخرجه البيهقي عن عبد الله بن سالمة عن علي أنه أتي بسارق فقطع يده ثم أتي به فقطع رجله ثم أتي به فقال : أقطع يده بأي شيء يتمسح ، وبأي شيء يأكل ، أقطع رجله على أي شيء يمشي إني أستحي من الله ثم ضربه وخلده في السجن . وروى ابن أبي شيبة أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن السارق فكتب إليه بمثل قول علي وأخرج عن مالك أن عمر رضي الله تعالى عنه استشارهم في سارق فأجمعوا على مثل قول علي ، وأخرج عن مكحول أن عمر قال : إذا سرق فاقطعوا يده ثم إذا عاد فاقطعوا رجله ، ولا تقطعوا يده الأخرى وفروه يأكل بها ويستنجي بها ولكن احبسوه عن المسلمين . وأخرج عن النخعي كانوا يقولون : لا يترك ابن آدم مثل البهيم ليس له يد يأكل بها ولا يستنجي بها ، [ ص: 2363 ] وهذا كله قد ثبت ثبوتا لا مرد له فبعيد أن يقع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذه الحادثة التي غالبا تتوفر الدواعي على نقلها مثل سارق يقطع صلى الله عليه وسلم أربعته ثم يقتله أو الصحابة يجتمعون على قتله ولا خبر بذلك عند علي وابن عباس وعمر من الأصحاب الملازمين بل أقل ما في الباب أنه كان ينقل لهم إن غابوا بل لا بد من علمهم بذلك وبذلك تقضي العادة فامتناع علي بعد ذلك إما لضعف الروايات المذكورة في الإتيان على أربعته وإما لعلمه أن ذلك ليس حدا مستمرا بل من رأى الإمام قتله لما شاهد فيه من السعي بالفساد في الأرض وبعض الطباع عن الرجوع فله قتله سياسة فيفعل ذلك القتل المعنوي ، قال صاحب الهداية : وبهذا حاج علي بقية الصحابة ، فحجهم ، فانعقد إجماعا يشير إلى ما في تنقيح ابن عبد الهادي قال : سعد بن منصور ثنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه قال : حضرت علي بن أبي طالب وأتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق قال لصاحبه : ما ترون في هذا ؟ قالوا : اقطعه يا أمير المؤمنين ، قال : قتلته إذا وما عليه القتل بأي شيء يأكل الطعام بأي شيء يتوضأ للصلاة بأي شيء يغتسل من جنابته بأي شيء يقوم على حاجته فرده إلى السجن أياما ثم استخرجه فاستشاره أصحابه فقالوا مثل قولهم الأول ، وقال لهم مثل ما قال أول مرة ، فجلده جلدا شديدا ثم أرسله . وقال سعيد أيضا ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عائذ قال : أتي عمر بن الخطاب بأقطع اليد والرجل قد سرق قال : أنقطع يده فندعه ليس له يد يأكل بها أو نقطع رجله فندعه ليس له قاعدة يمشي عليها ، إما أن نعزره وإما أن نودعه السجن فاستودعه السجن . وهذا رواه البيهقي في سننه لا يقال : اليد اليسرى محل للقطع بظاهر الكتاب ؛ لأنا نقول لما وجب حمل المطلق منه على المقيد عملا بالقراءة المشهورة خرجت عن كونها مراده وبقيت اليمنى مراده والأمر المقرون بالوصف وإن تكرر بتكرار الوصف لكن إنما يكون حيث أمكن وإذا انتقى إرادة اليسرى بما ذكرنا من التقييد انتفى محليتها للقطع فلا يتصور تكراره فيلزم معنى الآية السارق والسارقة مرة واحدة فاقطعوا أيديهما وثبت قطع الرجل في الثانية بالسنة والإجماع وانتفى ما وراء ذلك لقيام الدليل على العدم والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية