الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3609 - وعن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك قال : كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف يعني القبر ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : عليك بالصبر . قال حماد بن أبي سلمان : تقطع يد النباش لأنه دخل على الميت بيته . رواه أبو داود .

التالي السابق


3609 - ( وعن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك ) أي أجبت لك مرة بعد أخرى وطلبت السعادة لإجابتك في الأولى والآخرة ( قال : كيف أنت ) أي كيف حالك ومالك ( إذا أصاب الناس موت ) أي وباء عظيم ( يكون البيت ) أي بيت الموت أو الميت وهو القبر ( فيه ) أي في وقت إصابته ( بالوصيف ) أي بمقابل به في النهاية الوصيف العبد يريد أنه أكثر الموت حتى يصير موضع قبر يشترى بعبد من كثرة الموتى وقبر الميت بيته ( يعني ) أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت ( القبر ) وهو جملة معترضة من أبي ذر أو غيره من الرواة ( قلت : الله ورسوله أعلم ) أي لأنه تعالى قال : وما تدري نفس ماذا تكسب غدا الآية ( قال : عليك بالصبر ) أي الزم الصبر في جميع ما يتعلق به الأمر ، فإن الصابر على دينه حينئذ كالقابض على الجمر وفيه إيماء إلى أن الفتنة تعم الدين والبدن أحياء وأمواتا ( قال حماد بن سليمان : تقطع يد النباش ) أي نباش القبور لأخذ الكفن ( لأنه دخل على الميت بيته ) بالجر وفي نسخة بالنصب قال الطيبي : يجوز أن يكون مجرورا على البدل من الميت ومنصوبا على التفسير والتمييز كقوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه أو على تقدير أعني . اه وجواز كون التمييز نكرة مذهب بعض النحاة قال : واستدل حماد بتسميته القبر البيت على أن القبر حرز للميت فتقطع يد النباش . اه . وفيه أنه لا يلزم من جواز إطلاق اليد عليه حقيقة أو حكما كونه حرزا ألا ترى أنه لو أخذ أحد شيئا من بيت لم يكن له باب مغلق أو حارس لم يقطع بلا خلاف اللهم إلا أن يقال : حرز كل شيء بحسب ما يعده العرف حرزا ، ولذا اختلف العلماء في قطعه قال ابن الهمام : ولا قطع على نباش وهو الذي يسرق أكفان الموتى بعد الدفن ، هذا عن أبي حنيفة ومحمد ، وقال أبو يوسف وباقي الأئمة الثلاثة : عليه القطع وهو مذهب عمر وابن مسعود وعائشة ، ومن العلماء أبو ثور والحسن والشافعي والشعبي والنخعي وقتادة وحماد وعمر بن عبد العزيز وقول أبي حنيفة قول ابن عباس والثوري والأوزاعي والزهري لهم قوله عليه الصلاة والسلام : من نبش قطعناه ، وهو حديث منكر وإنما أخرجه البيهقي وصرح بضعفه عن عمران بن يزيد بن البراء بن عازب عن أبيه عن جده وفي سنده من يجهل حاله كبشر بن حازم وغيره ومثله الحديث الذي ذكره صاحب الهداية : لا قطع في المختفي ، قال : وهو النباش بلغة أهل المدينة أي بعرفهم وأما الآثار فقال ابن المنذر : روي عن ابن الزبير أنه قطع نباشا وهو ضعيف ، ذكره البخاري في تاريخه ثم أعله بسهيل بن ذكوان المكي قال عطاء : كنا نتهمه بالكذب ويماثله أي في الضعف أثر عن ابن عباس ، رواه ابن أبي شيبة ، وفيه مجهول قال : حدثنا شيخ لقيته بمنى عن روح بن القاسم عن مطرف عن عكرمة عن ابن عباس قال : ليس على النباش قطع . وأما ما رواه عبد الرزاق أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي أخبرني عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه وجد قوما يختفون القبور باليمن على عهد عمر بن الخطاب فكتب فيهم إلى عمر فكتب عمر أن اقطع أيديهم ، فأحسن منه بلا شك ما رواه ابن أبي شيبة ثنا عيسى بن يونس عن معمر عن الزهري قال : أتي مروان بقوم يختفون أي ينبشون القبور فضربهم ونفاهم والصحابة يتوافرون . اه وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر به وزاد : وطوف بهم . وكذا أحسن منه بلا شك ما روي عن ابن أبي شيبة ثنا حفص بن أشعث عن الزهري قال : أخذ نباشي في زمن معاوية وكان مروان على المدينة فسأل من بحضرته من الصحابة والفقهاء فأجمع رأيهم على أن يضرب ويطاف به . اه فحينئذ فلا يشك في ترجيح مذهبنا من جهة الآثار قلت : فعلى تقدير ثبوت قطع نباش يحمل على السياسة أو على أنه من الساعي في الفساد والله تعالى أعلم بالعباد ( رواه أبو داود ) .




الخدمات العلمية