الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3682 - وعن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله : ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ; ثم قال : يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة ; وإنها يوم القيامة خزي وندامة ; إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها . وفي رواية ; قال له : يا أبا ذر ; إني أراك ضعيفا ; وإني أحب لك ما أحب لنفسي ; لا تأمرن على اثنين ; ولا تولين مال يتيم . رواه مسلم .

التالي السابق


3682 - ( وعن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله : ألا تستعملني ؟ ) ; أي ألا تجعلني عاملا ؟ ( قال ) ; أي أبو ذر ( فضرب بيده ) ; أي ضرب لطف وشفقة ، ( على منكبي ) وفي نسخة بالتثنية ، ( ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف ) ; أي عن تحمل العمل ، ( وإنها ) ; أي الإمارة ( أمانة ) يعني ومراعاة الأمانة لكونها ثقيلة صعبة لا يخرج عن عهدتها إلا كل قوي ، وفيه الإشارة إلى قوله : إنا عرضنا الأمانة الآية قال الطيبي : تأنيث الضمير إما باعتبار الإمارة المستفادة من قوله ألا تستعملني ، أو باعتبار تأنيث الخبر اهـ . فعلى الثاني يكون مرجع الضمير والعمل المستفاد من لفظ الاستعمال ، ويؤيد الأول قوله : ( وإنها ) ; أي الإمارة ( يوم القيامة خزي ) ; أي عذاب وفضيحة للظالم ; ( وندامة ) ; أي تأسف وتندم على قبولها للعادل ، ( إلا من أخذها ) استثناء منقطع ; أي خزي وندامة على من أخذها بغير حقها ، لكن من أخذها بحقها ( وأدى الذي عليه فيها ) فإنها لا تكون خزيا ووبالا عليه ، وفيه إشارة لطيفة بأنها إما أن تكون عليه ، أو لا تكون عليه ، وأما كونها له فلا فالأولى تركها بلا ضرورة ، قال النووي : هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولاية ، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائفها ، والخزي والندامة في حق من لم يكن أهلا لها ، أو كان أهلا ولم يعدل فيخزيه الله يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط ، فأما من كان أهلا لها وعدل فيها ; فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث ( سبعة يظلهم الله في ظله ) وحديث ( إن المقسطين على منابر من نور ) وغير ذلك . ولكثرة الخطر فيها حذره عليه الصلاة والسلام منها ، ولذلك امتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا . ( وفي رواية ) كان حقه أن يقول : رواه مسلم وفي رواية أي له ( قال له ) فيه التفات ، أو نقل بالمعنى ( يا أبا ذر إني أراك ) بفتح الهمزة إما من الرأي ; أي أظنك ، أو من الرؤية العلمية ; أي أعرفك ( ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي ) ; أي لو كنت ضعيفا مثلك لما تحملت هذا الحمل ولكن الله قواني فحملني ، ولولا أنه حملني لما حملت ، وفيه إيماء إلى ما قال بعض الصوفية أن الولاية أفضل من الرسالة ; يعني ولاية النبي أفضل من رسالته ; لأن وجه الرسالة إلى الخلق ووجه الولاية إلى الحق ; فالتوجه إلى المولى لا شك أنه أولى ( لا تأمرن ) بحذف إحدى التاءين وتشديد الميم المفتوحة والنون ، وفي نسخة لمسلم فلا تأمرن ; أي لا تقبلن الإمارة ( على اثنين ) ; أي فضلا عن أكثر منهما ; فإن العدل والتسوية أمر صعب بينهما ( ولا تولين ) ; بحذف إحدى التاءين وتشديد اللام المفتوحة والنون ( مال يتيم ) ; أي لا تقبلن ولاية مال يتيم ، وفي نسخة لمسلم على مال يتيم ; أي لا تكن واليا عليه ; لأن خطره عظيم ووباله جسيم ، وهذا مثال الولاية على الواحد ( رواه مسلم ) .

[ ص: 2402 ]



الخدمات العلمية