الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3756 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال أرسل إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أن اجمع عليك سلاحك وثيابك ، ثم ائتني . قال : فأتيته وهو يتوضأ . فقال : يا عمرو ! إني أرسلت إليك لأبعثك في وجة يسلمك الله ويغنمك ، وأزعب لك زعبة من المال . فقلت : يا رسول الله ! ما كانت هجرتي للمال ، وما كانت إلا لله ورسوله . قال : نعما بالمال الصالح للرجل الصالح " . رواه في شرح السنة . وروى أحمد نحوه . وفي رواية : قال : " نعم المال الصالح للرجل الصالح " .

التالي السابق


3756 - ( وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال : أرسل إلي ) : أي رسولا ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن اجمع ) : أن مصدرية ، أو تفسيرية لما في الإرسال من معنى القول ; أي قائلا : اجمع ( عليك سلاحك وثيابك ) : وقدم السلاح ليشعر بالسفر وللاهتمام بأمره ( ثم ائتني . قال : فأتيته ) : أي : مستعدا ( وهو يتوضأ فقال : يا عمرو ) : فيه دلالة على جواز الكلام الديني في أثناء الوضوء ( إني أرسلت إليك لأبعثك ) : في كلامه تفنن ; أي : لأجل بعثي ; إياك ( في وجه ) : أي في عمل وشغل ( يسلمك الله ) : بتشديد اللام ; أي : يؤديك بالسلامة إليه ، ويوصلك بالكرامة لديه ( ويغنمك ) : بتشديد النون ; أي : يرزقك غنيمة ( وأزعب ) : بالنصب عطفا على أبعثك ، وفى نسخة بالرفع ; أي : وأنا أزعب وهو بالزاي المعجمة والعين المهملة ; أي : أقطع ، أو أدفع ( لك زعبة ) : بفتح أوله ويضم ; أي : قطعة ، أو دفعة ( من المال ، قلت : يا رسول الله ! ما كانت هجرتي ) : أي : إيماني وهجرة أوطاني ( للمال ، وما كانت إلا لله ولرسوله قال : نعما ) : بكسر النون ويفتح وكسر العين ويختلس ; أي نعم شيئا قال الرضى : اختلف في ( ما ) هذه فقيل : كافة هيأت نعم للدخول على الجملة كما في طالما وقلما ، قيل : وفيه بعد ; لأن الفعل لا يكف [ ص: 2438 ] لقوته ، وإنما ذلك في الحروف ، و ( ما ) في طالما وقلما مصدرية إلا أن يقال : إن نعم لعدم تصرفها شابهت الحروف ، لكن يحتاج إلى تكلف في إضمار المبتدأ والخبر في نحو فنعما هي وقال الفراء ، وأبو علي : هي موصولة بمعنى الذي ، فاعل ل نعم ويضعفه قلة وقوع الذي مصرحا به فاعلا لنعم ، ولزوم حذف الصلة بأجمعها في ( فنعما هي ) فإن " هي " مخصوص ; أي : نعم الذي فعله الصدقات ، وقال سيبويه ، والكسائي . ( ما ) معرفة تامة بمعنى الشيء ، فمعنى فنعم هي نعم الشيء هي فما هو الفاعل لكونه بمعنى الشيء ذي اللام ، وهو مخصوص ويضعفه عدم مجيء ( ما ) بمعنى المعرفة التامة ; أي : بمعنى الشيء في غير هذا الموضع ، بل تجيء ( ما ) بمعنى شيء إما موصوفة ، أو غير موصوفة . وقال الزمحشري ، والفارسي ، في أحد قوليه : ( ما ) نكرة مميزة منصوبة المحل إما موصوفة بالجملة بنحو : نعما يعظكم به ، أو غير موصوفة نحو ( فنعما هي ) : اهـ . ( بالمال الصالح ) : قال ابن جني : ( ما ) في نعما منصوبة لا غير ، والتقدير نعم شيئا ; أي : المال الصالح ، والباء زائدة مثلها في كفى بالله اهـ . ، أو نعم الشيء المال الحلال ( للرجل الصالح ) : وهو من يراعي حق الله وحق عباده . وقال الطيبي : ( ما ) هذه ليست بموصولة ولا موصوفة لتعين الأولى بالصلة ، والثانية بالصفة ، والمراد الإجمال ، ثم التبيين ف ( ما ) هنا بمنزلة تعريف الجنس في نعم الرجل ، فإنه إذا قرع السمع أولا مجملا ذهب بالسامع كل مذهب ، ثم إذا بين تمكن في ذهنه فضل تمكن ، وأخذ بمجامع القلب ، وفي هذا مدح عظيم للمال الصالح والصلاح ضد الفساد ، وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال ، وقوبل في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة . قال تعالى : خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا قال : ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ، وخلاصته أن الشيء إذا كان منتفعا به كان صالحا ، والفساد بخلافه ، والرجل الصالح من علم الخير وعمل به ، والمال الصالح ما يكسب من الحلال ، وينفق في وجوه الخيرات ( رواه ) : أي : صاحب المصابيح ( في شرح السنة ) : أي : بإسناده ( وروى أحمد نحوه ) : أي : بمعناه دون لفظه ( وفي روايته ) : أي : رواية أحمد ( قال ) : أي : النبي عليه السلام ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) : قلت : فيه تأييد للقول بأن ( ما ) زائدة كافة .




الخدمات العلمية