الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3987 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للرجل ولفرئسه ثلاثة أسهم : سهما له وسهمين لفرسه . متفق عليه .

التالي السابق


3987 - ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهما له وسهمين لفرسه ) : قال المظهر : اللام في له للتمليك ، وفي لفرسه للتسبب ; أي : لأجل فرسه ، في شرح السنة : لفنائه في الحرب ، إذ مؤنة فرسه إذا كان معلوفا تضاعف على مؤنة صاحبه . قال ابن الملك : وهذا قول الأكثر وقيل : للفارس سهمان ، وعليه أبو حنيفة أخذا بما سيأتي في الحسان من أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى الفارس سهمين اهـ . فأخذ أبو حنيفة بالمتيقن وترك المشكوك . ( متفق عليه ) : قال التوربشتي : هذا الحديث صحيح لا يروون خلافه ، وإنما ترك أبو حنيفة العمل بهذا الحديث لا لرأيه ، بل لما يعارضه من حديث ابن عمر أنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " للفارس سهمان وللراجل سهم " . وأبو حنيفة أخذ بحديث مجمع بن حارثة ، وهو مذكور في الحسان .

قال النووي : اختلفوا فيه ، فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن جرير وآخرون : للفارس ثلاثة أسهم ، وقال أبو حنيفة : للفارس سهمان فقط سهم له وسهم لها ، ولم يقل بقوله هذا أحد إلا ما روي عن علي وأبي يوسف ، وحجة الجمهور هذا الحديث وهو صريح ، وأما الحديث المذكور ، فيه قسم في النفل : للفرس سهمين وللرجل سهما هكذا في أكثر الروايات ، وفي بعضها : للفرس سهمين وللراجل سهما بالألف ، وفي بعضها للفارس سهمين ، والمراد بالنفل هنا الغنيمة لغة ، فإن النفل في اللغة الزيادة والعطية والغنيمة عطية من الله تعالى ، ومن روى الراجل بالألف ، فرواية محتملة فيتعين حملها على موافقة الأول جمعا بين الروايتين .

قال الطيبي : يريد أنه لما تعارض الروايتان في هذا الحديث أعني فارسا وفرسا وراجلا ورجلا ، فينبغي أن ترجح إحدى الروايتين عن الأخرى ، فرجحنا الأولى لحديث ابن عمر على أن رواة إحدى الروايتين أكثر من الأخرى ، وأن تؤول الأخرى بأن المراد بالسهم النصيب على الإجمال ; أي : للفارس نصيبان نصيب له ونصيب لفرسه ، فيكون المبين للرواية الأخرى ، وحديث ابن عمر يبينه الحديث الذي يتلوه في قول ابن الأكوع : أعطاني - صلى الله عليه وسلم - سهمين ، إذ لم يرد به المساواة لقوله : " سهم للفارس وسهم للراجل " .

قال ابن الهمام : عند أبي حنيفة وزفر للفارس سهمان وللراجل سهم ، وعندهما وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم : للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم ، لهم ما روي عن ابن عمر : أنه عليه الصلاة والسلام جعل للفرس سهمين ولصاحبها سهما هذا لفظ البخاري ، وأخرجه الستة إلا النسائي ، وفي مسلم عنه : قسم النفل للفرس سهمين وللراجل سهما ، وفي رواية بإسقاط لفظ النفل ، وفي رواية أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهم له وسهمان لفرسه ، وهذه الألفاظ كلها تبطل قول من أول من الشراح كون المراد من الراجل الرجالة ، ومن الخيل الفرسان ، بل في بعض الألفاظ القابلة : قسم خيبر على ثمانية عشر سهما ، وكان الرجالة ألفا وأربعمائة ، والخيل مائتين ، واستدل صاحب الهداية لأبي حنيفة بما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أنه عليه الصلاة والسلام أعطى للفارس سهمين وللراجل سهمين ، وهو غريب من حديث ابن عباس ، بل الذي رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عنه قال : أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما ، لكن في هذا أحاديث منها . ما في أبي داود ، عن مجمع يعني ما سيأتي في الفصل الثاني ، ومنها : ما في معجم الطبراني عن المقداد بن عمرو ، أنه كان يوم بدر على فرس يقال له سبحة ، فأسهم له النبي - صلى الله عليه وسلم - سهمين : لفرسه سهم واحد وله سهم واحد ، وكذا في مسند الواقدي ، وأخرج الواقدي ; أيضا في المغازي عن جعفر بن خارجة قال : قال الزبير بن العوام : شهدت بني قريظة فارسا فضرب لي بسهم ، وأخرج ابن مردويه في تفسيره بسنده إلى عروة عن عائشة قالت : أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق ، فأخرج الخمس منها ، ثم قسمها بين المسلمين فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما ، ومنها : حديث ابن عمر الذي عارض به صاحب الهداية ، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ، ثنا أبو أسامة وابن نمير قالا : حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، جعل للفارس سهمين وللراجل سهما اهـ .

[ ص: 2571 ] ومن طريقه رواه الدارقطني ، ورواه القعنبي بالشك ، في الفارس ، أو الفرس ، ومن طريق جزم بالفارس . ورواه الدارقطني ; أيضا في كتابه المؤتلف والمختلف ، وإذا ثبت التعارض في حديث ابن عمر ، بل في فعله عليه الصلاة والسلام مطلقا نظرا إلى تعارض رواية غير ابن عمر ; أيضا ترجح النفي بالأصل ، وهو عدم الوجوب ، وبالمعنى وهو أن الكر والفر واحد والثبات جنس ، فهما اثنان للفارس وللراجل أحدهما وله ضعف ما له . فإن قيل : المعارضة الموجبة للترك فرع المساواة ، وحديث ابن عمر في البخاري فهو أصح . قلنا : قدمنا غير مرة أن كون الحديث في كتاب البخاري أصح من حديث آخر في غيره ، مع فرض أن رجاله رجال الصحيح ، أو رجال روى عنهم البخاري تحكم محض لا نقول به ، مع أن الجمع وإن كان أحدهما أقوى من الآخر أولى من إبطال أحدهما ، وذلك فيما قلنا بحمل رواية ابن عمر على التنفيل ، وكذا حديث أحمد أنه عليه الصلاة والسلام أعطى الزبير سهما وفرسه سهمين ، وكذا حديث جابر : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزاة ، فأعطى الفارس منا ثلاثة أسهم ، وأعطى الراجل سهما ، بل هذا ظاهر في أنه ليس أمره المستمر ، وإلا لقال : كان عليه الصلاة والسلام ونحوه ، فلما قال غزاة ، وقد علم أنه شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوات ، ثم خص هذا الفعل بغزاة منها ، كان ظاهرا في أن غيرها لم يكن كذلك ، وما في حديث سهل بن أبي حثمة ، أنه شهد حنينا فأسهم لفرسه سهمين وله سهما ، لا يقتضي أن ذلك مستمر عنه عليه الصلاة والسلام ، أما حديث ابن أبي كبشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصهما نقصه الله " . فلا يصح ; لأن رواية محمد بن عمران القيسي أكثر الناس على تضعيفه وتوهينه اهـ . وعلى تقدير صحته يحتمل التنفيل كما يدل عليه قوله : إني جعلت على ما هو الظاهر ، والله أعلم بالسرائر والضمائر .




الخدمات العلمية