الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4118 - وعن أبي السائب - رضي الله عنهما - قال : دخلنا على أبي سعيد الخدري ، فبينما نحن جلوس ، إذ سمعنا تحت سريره حركة فنظرنا ، فإذا فيه حية ، فوثبت لأقتلها وأبو سعيد يصلي ، فأشار إلي أن اجلس ، فجلست ، فلما انصرف ، أشار إلى بيت في الدار ، فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم . فقال : كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس ، قال : فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنصاف النهار ، فيرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوما ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذ عليك سلاحك فإني أخشى " عليك قريظة " ، فأخذ الرجل سلاحه ، ثم رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به ، وأصابته غيرة . فقالت له : اكفف عليك رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح ، فانتظمها به ، ثم خرج فركزه في الدار ، فاضطربت عليه ، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا : الحية أم الفتى ؟ قال : فجئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله يحييه لنا . فقال : " استغفروا لصاحبكم " ثم قال : " إن لهذه البيوت عوامر ، فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليها ثلاثا ، فإذا ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر " وقال لهم : " اذهبوا فادفنوا صاحبكم " . وفي رواية قال : " إن بالمدينة جنا قد أسلموا ، فإذا رأيتم منه شيئا فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان " . رواه مسلم .

التالي السابق


4118 - ( وعن أبي السائب - رضي الله عنه - ) : هو مولى هشام بن زهرة تابعي قال دخلنا على أبي سعيد الخدري ، فبينما نحن جلوس ، إذ سمعنا تحت سريره حركة ) أي : خشخشة ( فنظرنا ، فإذا فيه ) أي : في ذلك المكان ( حية ، فوثبت ) أي : قمت بسرعة لأقتلها وأبو سعيد يصلي ، فأشار إلي أن اجلس ) : أن مصدرية والباء مقدرة قبلها ، أو تفسيرية ؛ لأن في الإشارة معنى القول ، ( فجلست ، فلما انصرف ، أشار إلى بيت في الدار ) أي : في جملتها ومن حواليها ( فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم ، فقال : كان ) : وفي نسخة إن كان بكسر الهمزة وهي مخففة من المثقلة أي إنه كان ( فيه فتى ) أي : شاب ( منا ) أي : من قرابتنا أو جماعتنا ( حديث عهد ) : بالرفع ، وفي نسخة بالنصب . قال الطيبي : يجوز بالرفع على أنه صفة بعد صفة ، وبالنصب على أنه حال من الضمير في منا اهـ . والمعنى حديث عهد ( بعرس ) : بضم أوله ففي المغرب : أعرس الرجل بالمرأة بنى عليها ، والعرس بالضم الاسم ، ومنه إذا دعي أحدكم إلى طعام عرس فليجب أي : إلى طعام أعراس .

( قال ) أي : أبو سعيد ( فخرجنا ) أي : نحن والشاب ( مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق ) أي : غزوته ( فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : للرجوع إلى أهله لتعلق قلبه بحبه ولبه ( بأنصاف النهار ) أي : في أول أوساطه . قال النووي : هو بفتح الهمزة أي : منتصفه ، وكأنه وقت آخر النصف الأول وأول النصف الثاني فجمعه كما قالوا : ظهور الترسين ورجوعه إلى أهله ليطالع حالهم ، ويقضي حاجتهم ويؤنس امرأته ، فإنها كانت عروسا . قال الطيبي : ويحتمل أن يراد بالنهار الجنس ، وأتى بالإفراد اعتمادا على القرينة ( فيرجع إلى أهله ) أي : ثم يرجع إلىالخندق أو يتم عندهم إلى الليل ، ثم في الصبح يرجع إلى الغزو وهو الأظهر . ( فاستأذنه يوما ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة ) أي : احمل عليك السلاح آخذا حذرك من بني قريظة ، وهم [ ص: 2670 ] طائفة من اليهود من سكان حول المدينة السكينة ( فأخذ الرجل سلاحه ، ثم رجع ) أي : بعد أخذ السلاح إلى أهله ( فإذا امرأته بين البابين ) أي : باب بيتها وباب غيرها أو بين المصراعين ( قائمة ، فأهوى إليها بالرمح ) أي : قصد ما به ، أو أشار به إليها ، أو مده إليها ( ليطعنها به ، وأصابته ) : حال من المستكن في أهوى أي : وقد أصاب الفتى ( غيرة ) : بفتح الغين المعجمة أي : حمية ( قالت ) : أي امرأته له : اكفف ) : بضم الفاء الأولى أي : احفظ ( عليك رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية ) أي : ملتوية مرتمية ( على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح ، فانتظمها به ) أي : غرز الرمح في الحية حتى طوقها فيه فشبهه بالسلك الذي يدخل في الخرز ، وفي الأساس رمى صيدا فانتظمه بسهم وطعنه فانتظم بساقيه أو جنبيه ، ( ثم خرج أي : من البيت ، وفي نسخة به أي : ملتبسا بالحية ، ( فركزه ) أي : غرز الرمح في الدار ( فاضطربت ) أي : الحية ( عليه ) أي : صائلة على الفتى ( فما يدرى ) : بصيغة المجهول أي : ما يعلم ( أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى ؟ ) : بالرفع بيان لأيهما .

( قال ) : أي أبو سعيد ( فجئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله يحييه لنا ) . بالرفع أي هو يحيي الفتى بدعائك . ( قال : استغفروا لصاحبكم ، وقال الطيبي : يريد أن الذي ينفعه هو استغفاركم لا الدعاء بالإحياء ؛ لأنه مضى سبيله اهـ . وليس فيه عجزه عن المعجزة منه ، بل سد لهذا الباب ، وبه يتم الجواب والله أعلم بالصواب . ( ثم قال ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إن لهذه البيوت عوامر ، أي سواكن ( فإذا رأيتم منها ) : أي من العوامر يعني من هذه الجماعة ، وفي نسخة منهم أي من هذا الجمع ( شيئا ) : أي أحدا تصور بصورة شيء من الحيات ( فحرجوا ) : بتشديد الراء المكسورة أي ضيقوا ( عليها ثلاثا ) ، أي قولوا لها : أنت في حرج أي ضيق إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليكم بالتتبع والطرد والقتل ، كذا في النهاية . وفي شرح مسلم للنووي قال القاضي عياض : روى ابن الحبيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول : ( أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود عليهما السلام أن لا تؤذونا ولا تظهروا لنا ) . ونحوه عن مالك . ( فإن ذهب ) : أي بالتحريج فبها ونعمت ( وإلا فاقتلوه فإنه كافر ) . قال شارح : أي شددوا على الحية ونفروها ، فإن نفر وتوارى فذاك ، وإلا فاقتلوه ، فإنه كافر أي كالكافر في جراءته وصولته وقصده وكونه مؤذيا ، وقيل : أراد بعوامر البيت سكانها من الجن أي أنها حينا تشكل بشكل الحيات ، وأراد بالتحريج التشديد بالحلف عليه ، كما جاء في الحديث أن يقال لها : ( أسألك بعهد نوح وبعهد سليمان بن داود عليهم السلام أن لا تؤذينا ) . ( وقال ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لهم ) : أي لأصحاب البيت ( اذهبوا ) : أمر وجوب على الكفاية أي ارجعوا وجهزوا ( فادفنوا صاحبكم ) . أي بعد الصلاة عليه ، فإنه كان ذلك في الكتاب مسطورا . ( وفي رواية ) : أي لمسلم على ما هو الظاهر ( قال ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بدلا من قوله السابق : إن لهذه البيوت إلخ . ( إن بالمدينة جنا ) : أي طائفة منهم ( قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم ) : وفي نسخة : منها أي من طائفة منهم ( شيئا فآذنوه ثلاثة أيام ) ، . بمد الهمز وكسر الذال أمر من الإيذان بمعنى الإعلام ، والمراد به الإنذار والاعتذار ، والمعنى قولوا له نحو ما تقدم أو حلفوه وقولوا : بالله عليك أن لا تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين . ( فإن بدا ) : بالألف أي ظهر ( لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان ) . أي فليس بجني مسلم ، بل هو إما جني كافر ، وإما حية ، وإما ولد من أولاد إبليس ، أو سماه شيطانا لتمرده وعدم ذهابه بالإيذان ، وكل متمرد من الجن والإنس والدابة يسمى شيطانا . وفي شرح مسلم للنووي قال العلماء : إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت ، ولا ممن أسلم من الجن ، بل هو شيطان ، فلا حرمة له فاقتلوه ولن يجعل الله له سبيلا إلى الإضرار بكم . ( رواه مسلم ) . وكذا أبو داود ، والترمذي ، والنسائي . ومالك في آخر الموطأ وغيرهم .

[ ص: 2671 ]



الخدمات العلمية