الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4216 - وعن أم المنذر - رضي الله عنها - قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علي ، ولنا دوال معلقة ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل وعلي معه يأكل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : " مه يا علي ، فإنك ناقه " ، قالت : فجعلت لهم سلقا وشعيرا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " يا علي ! من هذا فأصب ; فإنه أوفق لك " . رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه .

التالي السابق


4216 - ( وعن أم المنذر ) : قال المؤلف : هي بنت قيس الأنصارية - رضي الله تعالى عنها - ويقال العدوية ، لها صحبة ورواية ، روى عنها يعقوب بن أبي يعقوب . ( قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علي ، ولنا دوال ) : بفتح الدال المهملة وتنوين اللام المكسورة جمع دالية ، وهي العذق من البسر يعلق ، فإذا أرطب أكل والواو فيه منقلبة عن الألف كذا في النهاية فقوله : ( معلقة ) ، صفة مؤكدة لدوال ، وأما قول ميرك الأظهر أنه صفة مخصصة لقولها : دوال ، فخلاف الظاهر إلا أن يقال بالتجريد ولا ضرورة إليه ، ( فجعل ) : أي شرع ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل ) : قال العصام : أي قائما وهو الملائم للمقام ، لكن الجزم به غير قائم . ( وعلي معه يأكل ) : أي قائما لقولها بعد : " فجلس علي " على ما في رواية ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : مه ) : بفتح الميم وسكون الهاء أي امتنع من أكله . قال الجوهري : هي كلمة بنيت على السكون ، وهو اسم سمي به الفعل معناه : اكفف يا علي ( فإنك ناقه ) : بكسر القاف بعده هاء اسم فاعل ، أي قريب العهد من المرض من نقه الشخص بفتح القاف وكسرها ، فيكون من حد سأل أو علم ، والمصدر النقهة ومعناه برئ من المرض ، وكان قريب العهد به ولم يرجع إليه كمال الصحة والقوة التي كانت موجودة فيه قبل المرض ، وهذا يؤيد قول من قال من الحكماء بالأحوال الثلاثة الصحة والمرض والنقاهة ، وهي حالة بين الحالين الأوليين ، كذا أفاده السيد أصيل الدين ، وزاد الترمذي قالت : " فجلس علي " : أي وترك أكل الرطب " والنبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل " . قال التوربشتي : أي وحده أو مع رفقائه غير علي .

( قالت : فجعلت لهم ) : بصيغة الجمع أي طبخت لأضيافي ، ووقع في بعض نسخ المصابيح : " فجعلت له " بإفراد الضمير ، وجعله بعض شراحه راجعا إلى علي ، وبهذه الملاحظة قال : الفاء في قوله : " فجعلت " جواب شرط محذوف يعني إذا ترك علي - كرم الله وجهه - أكل الرطب جعلت له . . إلخ . وقال بعض المحققين : والصحيح رواية هذا الكتاب والله تعالى أعلم بالصواب ، ذكره ميرك . لكن يوجد في بعض نسخ الشمائل لفظة " له " بصيغة الإفراد أيضا ، فالأظهر أنه للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه الأصل والمتبوع ، كما تدل عليه صيغة الجمع ، فالمعنى له أصالة ولغيره تبعا ، مع أن أقل الجمع قد يكون ما فوق الواحد ، فالمعنى له أصلا ولعلي تبعا ، وما أبعد من قال : إن الضمير في " له " لابنها . قال الطيبي : هكذا بصيغة الجمع في الأصول الثلاثة لأحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وكذا في شرح السنة ، وأكثر نسخ المصابيح : " مغير " جعلوا الضمير في " لهم " مفردا ليرجع إلى علي - رضي الله تعالى عنه - وهو وهم منهم ; لأن الضمير يرجع إلى أهلها والضيفان اهـ . فالفاء للتعقيب أي بعد عرض أكل الرطب ، أو بعد فراغهم منه جعلت لهم ( سلقا ) : بكسر فسكون نبت يطبخ ويؤكل ، ويسمى بالفارسية جغندرق ( وشعيرا ) ، أي نفسه أو ماءه أو دقيقه ، والمعنى فطبخت وقدمت لهم .

وتكلف الطيبي وقال : قولها : " فجعلت " عطف على " فقال " : والفاء جواب شرط محذوف أي : إذا منعت عليا من أكل الرطب لكونه ناقها ، فأعلمكم أني جعلت لعلي سلقا وشعيرا . ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( يا علي ! من هذا ) : أي الطبيخ أو الطعام ( فأصب ) : أمر من الإصابة أي أدرك من هذا يعني فكل من هذا المركب . قال الطيبي : الفاء فيه جزاء شرط محذوف أي : إذا حصل هذا فخصه بالإصابة متجاوزا عن أكل البسر ، ويدل على الحصر تقديم الجار على عامله ونظيره قوله تعالى : وربك فكبر ، ( فإنه ) وفي رواية : " فإن هذا " ( أوفق لك ) : أي من البسر والرطب ، فيكون أفعل لمجرد الزيادة وهو الظاهر وصرح به الطيبي ، وقال ميرك : الظاهر أن صيغة التفضيل هنا [ ص: 2718 ] وردت لمجرد الموافقة ، اللهم إلا أن يقال بطريق الإمكان فتتصور الزيادة أو بحسب الحكمة . قال ابن حجر : إنما منعه - صلى الله عليه وسلم - من الرطب ; لأن الفاكهة تضر بالناقه لسرعة استحالتها ، وضعف الطبيعة عن دفعها لعدم القوة ، فأوفق بمعنى " موافق " ; إذ لا أوفقية في الرطب له أصلا ، ويصح كونه على حقيقته بأن يدعي أن في الرطب موافقة له من وجه ، وأن ضره من وجه آخر ، و لم يمنعه من السلق والشعير ؛ لأنه أنفع الأغذية للناقه ؛ لأن في ماء الشعير من التغذية والتلطف والتليين وتقوية الطبيعة ، ففي الحديث أنه ينبغي الحمية للمريض والناقه ، بل قال بعض الأطباء : أنفع ما تكون الحمية للناقه ؛ لأن التخليط يوجب انعكاسه وهو أصعب من ابتداء المرض ، والحمية للصحيح مضرة كالتخليط للناقه والمريض ، وقد تشتد الشهوة والميل إلى ضار فيتناول منه يسيرا فتقوى الطبيعة على هضمه فلا يضر ، بل ربما ينفع ، بل قد يكون أنفع من دواء يكرهه المريض ، ولذا أقر - صلى الله عليه وسلم - صهيبا وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة ، وخبره في سنن ابن ماجه : قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين يديه خبز وتمر فقال : " ادن وكل " ; فأخذت تمرا فأكلت فقال : " أتأكل تمرا وبك رمد ؟ " فقلت : يا رسول الله ! أمضغ من الناحية الأخرى ، فتبسم - صلى الله عليه وسلم - . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ) .




الخدمات العلمية